جديد المقتطف

الجمعة، 8 أغسطس 2014

مصر وإلغاء الرقيق في القرن التاسع عشر

بقلم: د. وائل إبراهيم الدسوقي
كاتب وباحث في التاريخ الحديث والمعاصر
كان الاتجار بالرقيق واستعمالهم في أغراض الحياة المختلفة من الأمور الطبيعية في مصر القرن التاسع عشر، مثلما كان يحدث في كثير من بقع العالم آنذاك. ومن المعروف أن مصر كانت تتعامل بتجارة الرقيق منذ بدء حضارتها وحتى عشرينيات القرن العشرين.
كان العبيد يجلبون إلى مصر من بقاع بعيدة، العبيد البيض كانوا يجلبون من "جورجيا" وبلاد الشاطئ الشرقي للبحر الأسود، ومن المستعمرات الشركسية، وكان منهم من يتم جلبه من أسرى الحروب. وكان العبيد من ذوى البشرة البرونزية والسوداء يأتون من "دارفور" و"كردفان" و"سنار" في جنوب مصر، ومنطقة "بورنو" في جنوب غرب بحيرة تشاد.
ولتجارة الرقيق الدولية أنظمة خاصة تحدد لكل نوع من الرقيق نوع العمل الذي يؤديه حسب اللون والبنية الجسدية، وكان الرقيق في مصر يصنفون طبقا لألوانهم ومناطق جلبهم. وكما ذكرنا كان اللون أساس تحديد العمل المطلوب، ولكل لون ثمن فالأبيض يختلف في ثمنه عن الأسود أو الأسمر.
كان الرقيق يخدمون في بيوت الأعيان المصريين ويفلحون في أرض مصر، كما احتلوا مواقع هامة في الجيش المصري، والنساء منهم كانوا يُتخذون كمحظيات لأغنياء القوم. وفي عصر "عباس الأول" الذي كان يكره الرق وتجارته، عمل الرقيق في وظائف عالية، كحكام محافظات وموظفين في الحكومة. وفرض "سعيد باشا" حظراً على تلك التجارة، وجعل الرقيق البيض يعملون كضباط في الجيش المصري، والسود منهم كانوا جنوداً.
ولكن، وفي معظم الأحيان كان الرقيق في بيوت الأتراك والأسرة الحاكمة بشكل طبيعي. وكان لهم أوضاع قانونية تحدد معيشتهم وحقوقهم، وطرق شرائهم وبيعهم، وتحدد أسعارهم.
واستمر الوضع فى تلك التجارة مستقرا في مصر حتى اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية. حين بدأت حركات حقوق الإنسان تنادي بتحرير العبيد وإلغاء تجارة الرقيق، فكان على "إسماعيل باشا" ضرورة اتخاذ موقف يكسب به نقاط وسط الأمواج الدولية المتلاطمة آنذاك، فكان قراره بإلغاء الرقيق ومحاربته، رغم أن معظم جنوده في فيالقه التي حاربت تلك التجارة كانوا من العبيد المجندين، والذي استخدمهم في جيشه حتى عزله.
وفي 4 أغسطس 1877، وقعت الحكومتين البريطانية والمصرية على اتفاق بالإسكندرية يقضي بقمع تجارة الرقيق، وطبقا لذلك تم منع استيراد أو تصدير العبيد السودانيين والأحباش، كما استلزم الأمر فرض عقوبات مشددة على تجارة الرقيق.
وشكل قرار إلغاء الرقيق أهم التغيرات الرئيسية التي عرفها التاريخ الاجتماعي المصري في القرن التاسع عشر بعد أن رأت مصر أن تجارة الرقيق وصمة إنسانية يجب الخلاص منها، وفي نفس الوقت كان هدف حاكم مصر هو إسكات ألسنة أعداء مصر إذاك، ولتحقيق هذا الهدف أسرع "إسماعيل باشا" في اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك، ولكن السرعة في تحرير الرقيق صدمت مجتمعنا المصري، وكانت العواقب وخيمة للغاية، كان أهمها توريط مصر في صدام مسلح مع الجنوب السوداني.
ولقد أدى القرار الذي أخذه "إسماعيل باشا" بشأن إلغاء العبودية إلى تغيرات اجتماعية واضحة في مصر والبلدان الإفريقية، وكذلك البلدان العربية الإسلامية المجاورة، فقد اختلفت منظومة العمل في المجتمع، بعد أن كان يشكل الرقيق جزء كبير منها، ولم يتعود عليها المجتمع المصري إلا بعد فترة طويلة.
ولكن المثقفين المصريين عملوا جاهدين على إصلاح الأوضاع التي نشأت عن إلغاء تلك التجارة ووضع تنظيمات جديدة لمنظومة العمل في المجتمع المصري، وأصبح هذا الاتجاه منتشرا بين المصريين المتعلمين، وليس أدل على ذلك من المناقشات التي تناولت قوانين يناير 1896 المتعلقة بالعبودية وتجارة الرقيق في مجلس شورى القوانين. ورغم أن هذا المجلس في التسعينيات كان شديد الانتقاد للسياسة البريطانية في مصر، ومتأثرا للغاية في مناقشاته بالمشاعر والمعتقدات الدينية، فإنه لدى مناقشة القوانين الخاصة بالعبودية لم يظهر رأي واحد يعارض قمع العبودية وتجارة الرقيق.
وفي عام 1926 عقدت "اتفاقية إلغاء الرق والعبودية" في مؤتمر الرق العالمي International Slavery Convention الذي عقد في جنيف (25 سبتمبر 1926م)، وعملت بريطانيا جاهدة بعد توقيع الاتفاقية على التأكد من إلغاء الرق والعبودية في مصر، بما أنها الدولة صاحبة السيادة والسيطرة.
وهكذا، نجد أن كافة الجهود تضافرت لإلغاء تلك التجارة البشعة والقضاء عليها، واختفاء العبودية من مصر في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حتى لم تعد العبودية تشكل في مصر مشكلة على الإطلاق.
مراجع للاستزادة:
·  جابرييل بير، دراسات في التاريخ الاجتماعي لمصر الحديثة، ترجمة: عبد الخالق لاشين؛ عبد الحميد فهمي الجمال، سلسلة دراسات خاصة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة 2006، ص277 – 306.
·        Report by Henry Salt, Alexandria, 12 Aug. 1826, F.O. 78/147.
·        de Guerville, B., New Egypt, London 1905.
·        Steckner, D. H.Beim Fellah und Khedive, Halle, 1892.
·        TugayE. F., Three Centuries: Family Chronicles of Turkey and Egypt, London 1963.
·        Wright, E.Fabric Of Freedom 1763 – 1800, New York 1967.
·        Baer, G., "Urbanization in Egypt 1820 – 1907", Paper Submitted to the Con­ference on the Beginnings of Modernization in the Middle East, Chicago, Oct. 1966.
·        St John, J. A., Egypt and Nubia, London 1845.
·        Heyworth - DunneJ., An Introduction to the History of Education in Modern Egypt, London (N.D.).
·        Edward, M., Egypt 1879 - 1883, London 1909.
·        Vatikiotis, P. J., The History of Egypt, 2nd. Ed., London1980.

·        Turner, B., Modern Egypt, New York 1908.
نشرت في:   المقتطف المصري | السنة الأولى | العدد الثاني | يونيو 2009 ميلادية -1430 هجرية