بقلم: د. أحمد شاكر العلاق *
تضم المؤسسة العسكرية
نوعين من التنظيمات التي تعمل تحت السيطرة المباشرة والتنظيم الكامل للحكومة
المركزية باعتبارها جزء لا ينفصم عن الجهاز الحكومي والسلطة التنفيذية وإدارتها في
تحقيق النظام والامن وصيانه الاستقلال والسيادة الوطنية وتتضمن كالآتي:
فرقة القوزاق :
استخدمت الايرانية منذ
القرن الثامن عشر مستشارين عسكرين اوربين لتطوير جيش الشاه الايراني القديم الذي
لم يكن بامكانه الصمود امام جيوش اعدائه المجهزة تجهيزا ً عسكريا ً حديثا ً
ولمتمثل بقوة الروس في الشمال والبريطانين في لجنوب حيث كانوا متمركزين باساطيلهم
في الخليج العربي وفي الغرب كانت قوة الامبراطورية العثمانية. ولهذا السبب بعث ولي
العهد الايراني وقائد الجيش (عباس ميرزا)
في ذلك الوقت عددا ً من الطلاب في بعثات عسكرية إلى اوربا واستخدم الكثير
من الخبراء الاوربين في الجيش الايراني املا في تطويره إلا إن اهدافه واماله لم
تتحقق فقد تعرض الجيش الايراني لهزيمة نكراء امام الجيش الروسي كان من نتائجها فرض
معاهدة (تركمانجاي في عام 1828) ثبتت مبدئيا ً
فشل الاصلاحات التي نفذت في الجيش لانها لم تصل إلى درجة تطور الجيش
العثماني أو جيش القوتين البرياطنية والروسية. إلا انه في عام 1878م قام شاه إيران
ناصر الدين شاه بزيارة روسيا القيصرية وقد استقبله القيصر شخصيا حيث اطلع على فرقة
القوزاق الروسية المخصصة لحماية الامبراطور الروسي وأبدى اعجابه بها كثيرا ً, وفي
عام 1879 عرض القيصر الروسي على شاه إيران تشكييل ما سمي بوليس الاقاليم في الشمال
وتطلعا عليه فرق القوزاق وثم تأسيس هذه الفرقة في عام 1885 وكان هيكلها التنظيمي
العسكري في بداية تكوينها يتالف من الوائي مشاة وبطرية صحراوية وفرقة موسيقية
أهداها الإمبراطور الروسي إلى شاه إيران وكانت الفرقة تتكون من 850 جنديا ً وملاك
كل جندي بندقية أليه وسيف. وتضم ضاط روس وضباط صف ايرانين ومجندين وكانت مهمة هذه
الفرقة هي قمع الاضطرابات وحركات الانفصال التي شهدتها الاقاليم الشمالية
الايرانية بعد الحرب العالمية الاولى كما تعد احد الضمانات التي كانت تؤمن المصالح
الروسية في إيران.
كان للفرقة دور في تزايد
النفوذ الروسية في إيران بدليل انه اصبح لها اضخم ثكتة عسكرية في إيران, وكانت
ترابط في طهران وبامرة كولونيل روسي يدعى دوسونتوفتش يعاونه نخبة من الضباط الروس
وكانت تعمل هذه الفرقة بنفس النظام العسكري الروسي.
وقد عد الامتياز الذي
وقعه الشاه ناصر الدين القاجاري احد اخطائه الكبرى في حق وطنه, يشاركه في ذلك
الصدر الاعظم ميرزا حسن خان بأنشاء فرقة عسكرية ايرانية يقوم على قيادتها ضباط من
الروس .
كانت الفرقة القوزاقية
هي القوة الوحيدة المنظمة في إيران, وقد ضمت على اكثر من (7.886) جنديا ً و (3141)
الفا ً من الخيالة يقودهم (65) ضابطا ً روسيا ً و (66) ضابط صف روسي و(202) من
الضباط وضباط الصف الايرانيين وانشاءت الفرقة لها عدة فروعا ً للقيادة في مناطق
منفصلة ومتعددة مثل اصفهان ومشهد وهمدان وكيلان ومازندران وتاربيل وارومية. كل
واحدة تحوي على مجموعات المشاة الفرسان ووحدات المدفعية وكانوا جميعا ً بلباس
قوزاقي ومجهزين بأفضل المعدات والاسلحة.
لقد كان المسلحون
القوزاق قد تم استثنائهم من الخدمة العسكرية الالزامية وتم اختيار اغلب افرادها من
المتطوعين ونظمت في ست فرق من الفرسان طبقا ً انتماءاتهم العرقية والعشائرية لجميع
الجنود المنتمين اليها, وهؤلاء هم التاتار البرية (التاتارية) قد شكلت النواة
للجيش الاذريجاني الجمهوري ولكن بعد احتلال الجمهورية من قبل الجيش السوفيتي في
عام 1920 عرج قسم منها إلى إيران وشارك ضباطها في تشكيلات الجيش الايراني وقدموا
له الولاء.
وهكذا تطوعت عناصر من
مختلف ارجاء إيران لهذه الفرقة من النازحين من خارج البلاد وخصوصا ً من نانخجيقان
وايروان حيث وجدوا انفسهم في مناصب متميزة
وفي بداية عام 1920 قام
القادة الروس بانشاء مدرسة تدريب القوزاق في الثكنات العسكرية واحتوت على صفين (أ-
ب) وخمسة صفوف اعدادية والتدريس باللغة الروسية وكان الطابق الارضي لهذه المدارس
مخصصا ً لاولاد الضباط الايرانيين وقد كان الضباط مجبرين على ارسال اولادهم لهذه
المدارس إلى تربية هؤلاء الضباط واولادهم تربية خاصة بعيدة عن الاتجاه السائد
للعلاقات والعادات العامة في إيران ولذا منع افراد الفرقة القوزاقية حتى من قراءة
الصحف الايرانية في ثكناتهم العسكرية.
ولقد كانت الحياة في
الثكنات القوزاقية صعبة للغاية والمرتبان ضئيلة جدا ً وطهران تختلف عن كونها مدينة
تملؤها المستنقعات والابار والانفاق ويوجد فيها القليل من البنايات بعضها من
الطراز الروسي وكانت وسائط النقل عبارة عن عربات تجرها الخيول واوجد ميدان خانه في
شمال قصر كلستان مقر العرش الملكي القاجاري هو المجال الفسيح الواسع المفتوح على
المدينة في هذا المكان, كان يعج بالباعة المتجولين للطعام الرخيص وباعه الكحول
والمقامرين وكان اعضاء فرقة القوزاق منغمسين في هذه الاجواء.
هذه الاوضاع ادت إلى
تردي سمعة هذه الفرقة وضعفها العسكري في الوقت نفسه كانت هذه الفرقة تمثل رمز
القوة العسكرية للحكومة الايرانية هذا مما دفع رضا خان الى البروز عسكريا ً في هذه
الفرقة وسيطر على قيادتها بالتعاون مع الانكليز ثم سيطر على وزارة الحربية وقد فرض
سيطرته بشكل كبير على هذه الفرقة خاصة بعد انسحاب الضباط الروس منها اثر ثورة
اكتوبر الروسية عام 1917 تاركين الفرقة في ايدي ضباط الصف الايرانيين. بعهد ذلك
قرر رضا شاه حل الفرقة وضمها إلى قطاعات وحدات الجيش الايراني
الجندرمة:
قبل الدستور أي حتى عام
1904 كان بلاط الشاه وديوان رئاسة الوزراء هما اللذان يتوليان مسؤولية عزل ورفض
الولاة والحكام وكانت وزارة الداخلية عبارة عن احدى الشعب التابعة لديوان رئاسة
الوزراء وفيها يقوم بالنظر في شؤون
الولايات موظف من موظفي الديوان.
وبعد اصدار الدستور في
عام 1906 ثم تأسيس وزارة الداخلية واستخدام مستشار فرنسي لهذا الغرض حيث مكث في
إيران عدة سنوات, إلا انه لم يفلح في جعل مؤسسات هذه الوزارة بالشكل المطلوب وقد
اسست هذه الوزارة دائرة الشرطة وذلك في عام 1909 .
وفي عام 1911 تم استخدام
عدد من الخبراء السويديين لتشكل قوات الجندرمة وقد شكلت في العام نفسه وكانت تضم
في بداية تأسيسها (30) فردا ً واول ضابط سويدي تولى قيادتها هو الميجر فولكه.
لقد طورت قوات الجندرمة
واسست لها مدارس عسكرية واول مدرسة اسست فيها عام 1912 مدرسة (كابنيدا افيسية)
وكانت الدورة الدراسية فيها ستة اشهر, استمرت هذه المدرسة في اداء وظيفتها حتى
اندلاع الحرب العالمية الاولى, تخرج منها (173) ضابطا ً وعند اندلاع الحرب
العالمية الاولى اغلقت هذه المدرسة الا إن الكولنيل (كروب) قام فتح مدرسة عسكرية
ثانية بعد الحرب العالمية الاولى تخرج منها (40 ) ضابطا ً في الدورة الاولى وفي
الدورة الثانية (49) ضابطا ً وذلك في عام 1921, وفي عام 1922 اغلقت هذه المدرسة.
وكانت لقوات الجندرمة
وظيفتان رئيسيتان الوظيفة الاولى وظيفة الشرطة المحلية والوظيفة الثانية هي وظيفة
عسكرية. فالجندرمة مسؤولة عن حفظ الامن واكتشاف الجرائم عن طريق جمع ادلتها
وتسلميها إلى المحاكم الخاصة.
وكان سلاح الجندرمة
يتكون من بنادق ومدفعية صغيرة ذات صنع من مناشيء متعددة الماني, وفرنسي, وانكليزي,
وروسي وكانوا افرادها يمتلكون (9813) رشاشة و (1911751) طلقة, وعشرة مدفعية إما
بلباسهم فكن يتكون من قميص قصير ابيض للون في فصل الصيف وفي فصل الشتاء يرتدون
قميصا ً ازرق إما البنطلون فلونه في الصيف والشتاء خاكيا ً, ويرتدون قبعة لونها
ابيض وعليها علامة الاسد والشمس, اللباس
الثاني يسمى لباس السلام, وهو اللباس نفسه ويضاف اليه سيف وكف ابيض, ويوضع في صدور
الجند اوسمة الشجاعة, في حيث تكون القبعة مختلفة بوجود علامة صفراء اللون.
وكانت مالية الجندرمة
السنوية كحد وسط تقدر (255,651,31) قران نقدي و (105,300,404) من الحنطة و(251,0835) شعير و(357,734,3) غذاء حيوان
وزعت على قوات لغ تعدادها في عام 1921 و (12308) جندي و (4456) راس دواب .
فرقة بنادق جنوب إيران:
شكلت هذه الفرقة في أثناء
الحرب العالمية الاولى، حيث شجع توقف زحف القوات العثمانية نحو العاصمة الايرانية
وتطور الاحداث في جنوب إيران على استدعاء اللواء بيرسي كوكس الخبير بالشؤون
الايرانية على جناح السرعة ليأخذ على
عاتقه قيادة (البعثة العسكرية) المرسلة إلى جنوب إيران بهدف ايجاد قوة لاستعادة
الامن والنظام لمصلحة الحكومتين الايرانية والبريطانية على حد تعبير سايكس نفسه
فيما بعد.
وصلت البعثة في اذار عام
1916 من الهند إلى بندر عباس وكانت تتألف من ستة ضباط ثلاثة هنود وعشرين ضابط صف
برئاسة برسي كوكس
وشرعت بتجنيد قوة من
سكان جنوب إيران وقد لقيت البعثة في البداية
بعض الصعوبات في تنفيذ مهماتها رغم ما ابدت لرجال العشائر المنطقة من اغرءات مادية ولكن سرعان ما تمكن اعضاء
البعض بفضل حنكه برسي سايكس واساليبه الحاذقة من تذليل الصعاب التي جابهتهم ونجحوا
في تاليف قوة اطلق عليها اسم (قوة بنادق جنوب إيران) التي قدر لها إن تمثل دورا ً
ملحوظا ً في احداث البلاد سنوات الحرب العالمية الاولى خاصة بعد طورت قطاعاتها
بحيث اصبحت تتألف من فرقتين في فارس وكرمان وكتيبة في ميناء بندر عباس.
كان الوظيفة الأساسية لهذه الفرقة هي تطهير جنوب
إيران من الالمان وبعد تاليفها بحوالي شهرين توجهت قوة بنادق لجنوب نحو مدينة
كرامان التي انسحب منها الالمان والموالون لهم إلى مدينة شيراز حيث اسرهم حاكمها انذاك
اقوام الملك بعد إن جهزة البريطانيون بالاسلحة والعتاد, وكان من بين الاسرى وليم
روفر القنصل الالماني في بوشهر والضابط السويدي النقيب الكامان رئيس مدربي
الجندرمة مع عدد من المنتفذين الايرانيين الموالين للألمان.
توقف برسي سايكس في
كرمان حوالي ستة اسابيع, وبعد إن استتب الامن اتجه إلى يزد تاركا ً وراءه ثلاثة من
ضباطه لتنظيم لواء كرمانت غير انه تسلم برقية من الروس في اصفهان يطلبون مساعدته
خوفا ً من زحف العثمانيين نحوها, فدخل اصفهان في 11 ايلول /1916 واستطاعت هذه
القوة من إن تتحد مع قوات الجنرال (بلرتف) في اصفهان ثم اعطى قائد الفرقة امرا
بالتوجه في حملة على فارس وكسر مقاومة عشائر تنكستائي وهكذا استطاع بيرسي سايكس من
إن يحتل فارس ويدخل إلى شيراز, وقد منحه
وثوق الدولة التقدير والامتنان سايكس لأنه اعاد الامن إلى جنوب البلاد وقد بلغ عدد
رجال هذه الفرقة 400 جندي ومتطوعيه حوالي 11000.
عانى الضباط الايرانيين
كثيرا ً في هذه الفرقة لان القوانين والانظمة التي وضعها البراطانيون كانت صارمة
وتحد من نشاط وحرية الضباط الايرانين, فوفقا ً للمادة (2) من القانون العسكري لهذه
الفرقة التي اشترطت بان لا تتم الترقية العسكرية للضباط الاسيرانين إلا بامر من
القادة العسكريين البريطانيين إما المادة (230) فقد جعلت رتبة عقيد (سرهنك) وما
فوقها خاصة, للضباط البريطانين فقط دون الايرانين ومع ذلك هناك حالات استثنائية
محدودة جدا ً تجاوزت هذا الشرط واشترطت هذه المادة أيضا ً تخصيص نسبة (25%) فقط
لمنح رتب سرتيب (رائد), سرهنك (عقيد), سر لشركي (عميد) للضباط الايراني و75%
المتبقية خاصة للبريطانين
وبعد الاتفاقية
الايرانية الروسية لعام 1921 رفضت الحكومة البريطانية طلب الحكومة الايرانية
بارسال المخصصات المالية للفرقة, وقد اتخذت الحكومة عدة خطوات لتعليق ارسال
المعونات المالية بجميع اشكلها إلى الحكومة المركزية الايرانية واعتماد هذه
السياسة جاء نتيجة لعقد الاتفاقية الايرانية الروسية, نتيجة لضغوط على المجلس
الوزاري وتحت حفظ والحاح الراي العام من داخل إيران بسبب الاتفاق المدمر على هذه
الفرقة وتقليل الانفاق الحكومي العام.
(*) أستاذ
تاريخ إيران المعاصر – جامعة الكوفة – كلية الآداب - العراق..