جديد المقتطف

الاثنين، 8 ديسمبر 2014

تأسيس جهاز السافاك الإيراني

بقلم: د. أحمد شاكر العلاق *
ركز رضا شاه بهلوي منذ تسنمه الحكم السلطات كلها بيده , ومنع أي معارضة له وسعى من اجل إن يسيطر سيطرة تامة على اعمال لوزارات فلم تكن أي وزارة تعمل إلا بعد استشاريته بكل امورها صغيرة كانت ام كبيرة.  
وعمل رضا شاه على احتواء ايه معارضه لنظامة داخل الهيكل لتشريعي للسلطة وتطويع الدستور والمجلس النيابي والمؤسسات التنفيذية لخدمة اهدافه فلم يتورع عن التلاعب في نتائج الانتخابات لكي يزيد من عدد النواب الموالين ولعل خير من وصف نواب الدورة السادسة للمجلس النيابي الايراني صحيفة "اقدام" التي ذكرت بان النواب " اظهروا استعدادهم التام كالجنود لاي امر صادر من رضا شاه".

واثر تركيزه للسلطات في يده وخنقه للحريات ومنعه لاي صوت معارض له من إن يرتفع ضده ازداد اتجاهه السريع نحو الدكتاتورية والحكم الفردي الذي تحول في نهاية المطاف إلى عبء على استقلال البلاد وسيادتها وعلى تنامي اشكال اخرى للمعارضة الداخلية ضد نظامه الاستبدادي.
وكان الشاه يختار وزرائه بنفسه وكان على المجلس النيابي إن يصوت لهم بالموافقة دون تردد يذكر ويظل هؤلاء الوزرء في مناصبهم إلى حين فقدان الثقة بهم من قبل الشاه نفسه وبسبب سياسته الشاه الاستبدادية فقد البرلمان الايراني وجوده الفعلي واصبح اداة تنفيذية بيد الشاه.
فضمن الشاه لحكمة برلمانا ً فاقدا ً لاي تاثير وتلخصت مهمته في اضفاء الشرعية على اجراءاته في مجال فرض الضرائب وجباية الايرادات والتصديق على اللوائح والقوانيين والميزانية كما تورد من النظام دون اجراء أي تعديلات عليها.  
كان من الطيعي إن يبحث الشاه عن قاعدة تسنده في سياسته الاستبدادية وتعزز سيطرته على مقدرات البلاد وتدعم نظامه ضد القوى الداخلية والتحديات الخارجية ولم يكن بامكانه والحال هذه إلا الاستناد على المؤسسة العسكرية بوصفة ضابطا ً محترفا ً ,  اوصله الجيش إلى السلطة قوة السلاح ولاسباب اخرى فاضحت المؤسسة العسكرية الايرانية قاعدة للنظام البهلوي ومصدرا ً لقوته وسلاحه في قمع المعارضة الداخلية وسر ديمومة حكمه اشرف الشاه رضا بهلوي بنفسه على الجيش وسعى لتنظيمه تنظيما ً محكما ً وعمل من اجل توسيعه وزيادة عددة زيادة مطردة ففرض قانون الخدمة الالزامية على الذكور البالغين ثمانية عشر عاما ً وتجنيدهم مدة سنتين فارتفع عدد افراد الجيش الايراني في غضون ست سنوات من (25)الفاً عام 1925 إلى (60) الف رجل عام 1931
وارتفعت مخصصات ميزانية وزارة الدفاع حتى وصلت إلى 41,8% من المجموع العام لميزانية 1928 , 1933 .
فتحول ولاء كبار الضباط والقادة العسكريين في النهاية لنظام الشاه الدكتاتوري إلى احساس مزدوج بالمصلحة الشخصية دون النظر إلى المصلحة العليا للبلاد واهتم رضا بهلوي بالبعثات العسكرية وانشأ مدرستين عسكريتين في طهران تحت اشراف ضباط فرنسيين وايرانين متخرجين من المعاهد الاوربية , كما انشأ اكاديمية عسكرية عليا في طهران واولى الشاه اهتماما ً كبيرا ً بمصانع الاسلحة والمعدات العسكرية معتمدا ً على الخبرة الفنية الاجنبية التي حصل عليها من المانيا وفرنسا وبريطانيا وايطاليا وخصص لدلك ميزانية كبيرة لم يخصصها لاي قطاع من القطاعات الاخرى.
ومن اجل تطوير الخبرة الفنية للجيش الايراني ارسل اعدادا ً من الضباط لى فرنسا لزيادة كفائتهم العسكرية، وجلب خبراء من فرنسا إلى ايران كما اسس خمس مدارس عسكرية توزعت على مدن طهران وتبريز وكرمنشاه ومشهد واصفهان .
ولم يغفل الشاه القوة البحرية التي لم تحظ باهتمام ملحوظ في العهود السابقة على الرغم من امتلاك إيران السواحل طويلة على الخليج العربي ,فقام بشراء عدد من السفن الحربية والزوارق المسلحة وفرقاطتين من ايطاليا التي ارسل اليها عددا ً من البعثات العسكرية للدراسة في اكاديمتها البحرية  ومن اجل دعم قوته البحرية، وزيادة فاعليتها اقام قاعدتين بحريتين احداهما في الشمال على سواحل بحر قزوين والاخرى في الاحواز  
ترتب على اهتمام الشاه المتزايدة بالمؤسسة العسكرية ازدياد ارقام الميزانية العسكرية بوتائر سريعة فقد احتلت حصة الاسد من الميزانية العامة ووصلت إلى اعلى مدياتها في السنوات الاخيرة من حكمه لأنه بواسطتها تمكن من توطيد حكمه وفرض هيمنته على النظام السياسي برمته وساعدته هذه المؤسسة على إن يفرض سيطرته على ارجاء البلاد وان يقيم نظاما مركزيا لا ينازعه احد  
ترتب على سقوط رضا شاه بهلوي واعتلاء ابنه محمد رضا   العرش جملة متغيرات مهمة شهدتها إيران كان في مقدمتها تبؤا حاكم لم يكن يمتلك خبرة والده السياسية ولا قدرته على تصريف الامور فكان من الطبيعي إن يصبح اداة طيعة بيد الحلفاء الذين سيطروا على طرق المواصلات الحيوية في البلاد  
ولاسيما خطوط السكك الحديد وقاموا باعتقال الالمان الموجودين في إيران فضلا عن اغلاقهم للمفوضيات الالمانية والايطالية والهنغارية  والرومانية  
ورث الشاه الجديد مشكلات كثيرة في مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولعسكرية وغيرها وكان عليه السعي لحلها اعتماد ا ً على امكانات بلاده , التي كان يفتقر اليها انذاك فقد كان عليه إن يواجه الاحتلال البريطاني السوفيتي الذي افقد إيران سيادتها واستقلالها كما اضطر الشاه محمد رضا بهلوي إلى خرق حياة بلاده واعلان الحرب رسميا على دول المحور تنفيذا لارادة دول الحلفاء في التاسع ولعشرين من ايلول 1934 .
شهدت إيران بعد سقوط مصدق مدا رجعيا واسعا امتد إلى جميع المجالات ومختلف مرافق الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إيران لاسيما بعد تأسيس الجهاز الامني الرهيب المعروف باسم " سازمان اطلاعات وامنيت تشور" الذي اسسه الشاه بعد سقوط مصدق , وكان يعرف اختصارا ً بالـ "ساواك" أو "السافاك".
كان هدف الشاه من تأسيس جهاز السافاك هو مكافحة اية حركة معارضة للنظام البهلوي والقضاء عليها في مهدها , وتجنيب النظام عواقب المعارضة الشعبية لاجراءات الشاه , ولم تقتصر نشاطات السافاك على الجوانب الامنية  ,بل توسيع تدريجيا ً حتى اصبح بشكل  "دولة داخل دوله" وتدخل في جميع مرافق البلاد وشؤونها , حتى اضحى اعلى سلطة على الحكومة نفسها وارتبط بالشاه محمد رضا بهلوي مباشرة .
 بعد احداث 1953 والتي ادت بحكومة محمد مصدق والتي كاد إن يفقد الشاه فيها عرشه , فكر الشاه في تأسيس جهاز امني لحماية النظام واراد إن ينشئ جهاز خاصا ً به  ,يخضع لسلطة رئيس الوزراء مباشرة ورئيسة في درجة نائب رئيس الوزراء ويدعى الشاه إن تأسيس السافاك يعد حادثة حكومة مصدق – قد جاء لمحاربه الشيوعيين المفسدين , حيث إن قوى الاحتلال الروسي – التي لم ترحل عن إيران حتى سنة 1946 وحزب تودة قد ظنوا في الشهور الاخيرة لحكومة مصدق , إن لحظة انتصارهم قد حانت , ولهذا اعلن محمد رضا شاه عدم شرعية – حزب توده- الذي كن لا يهدد النظام فحسب بل كان يعرض استقلال البلاد كلها للخطر على حد زعم الشاه   .
انشأ الشاه جهاز السافاك لمواجهة نشاط المخربين في الداخل والخارج وليقضي على الخطر الذي يهدد إيران, وقد عين الجنرال تيمور بختيار على رئاسة هذا الجهاز وظل ختيار من سنة 1953 إلى 1957 فأرسل الشاه العناصر الاولى لجهازه الامني إلى امريكا واوربا لتلقي التدريبات الامنية اللازمة واستعان بعناصر من المخابرات الأمريكية للعمل داخل جهازة وكان تيمور  بختيار رجلا ً محبا ً للمناصب والجاة , يسعى إلى غرضه بكافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة وظل ممسكا ً بيد من حديد على السافاك حتى اقالة الشاه ففر إلى بيروت ثم توجه إلى بغداد للعمل ضد الشاه – حيث كان يرغب في منسب رئيس الوزراء .
كان الشاه قد أسس جهازا ً اخر سنة 1958 بأسم ( جهاز التفتيش الشاهنشاهي) واوكل مهمته للجنرال حسين فردوست  وكانت مهمه الجهاز البحث عن مصادر الفساد بين المسؤلين في الدولة ورفع تقارير التحقيقات مباشرة إلى الشاه , ولكن هذا الجهاز لم يقم بدور مؤثر في اجتثاث الفساد من البلاد .
كانت مهمة جهاز السافاك – الحفاظ على النظام الشاهنشاهي بكافة الوسائل ولكن الشاه يرى إن مهمة جهازة الامني كانت لملاحقة الخونة والجواسيس ومثيري الفتنة كما كان له دور في مراقبة القادة العسكريين ولما كان من الضروري إن يخضع جهاز السافاك لقضاة المحاكم – باعتبارة جهاز معلومات ومكافحة التجسس – إلا إن هذا الأمر لم يكن ينفذ بل يوكل به لرجال الشرطة ولما كانت الاساليب التي يتبعها السافاك غير مشروعة في مجملها – لهذا يدعى الشاه إن السافاك لا يخضع لقوانين العدالة في إيران لنهم يطبقون قواعد غريبة
وقد مر جهاز الساواك بأربع مراحل
الاولى من عام 1957 إلى عام 1961م
الثانية من عام 1961 إلى عام 1964م
والثالثة من عام 1964 إلى عام 1977م
والرابعة من عام 1977 إلى عام 1979 مرحلة السقوط
المرحلة الاولى: وهي مرحلة التأسيس والتي كانت تحت رعاية المستشارين الامريكان وكان رئيسه محل عناية الولايات المتحدة والمهمة الموكولة اليه هي ترسيخ نظام محمد رضا شاه وضرب المعارضين للنظام بشدة ولما كان يتمور بختيار يرتبط بالامريكان بعلاقة حميمة لذا ظل على رئاسة الجهاز , واستمر حتى سنة 1957 حيث اقالة الشاه
المرحلة الثانية: بدأت بتولي حسين باكروان رئاسة السافاك , وكان هدف محمد رضا شاه تطهير الجهاز من اتباع بختيار , واحلالهم بآخرين اوفياء للجهاز وتحويل السافاك إلى جهاز منظم يعمل على الحفاظ على العرش والنظام ولكن باكروان لم يستطع إن يقوم بالمهام خير قيام – لضعف شخصيته – فأقاله محمد رضا , وحل محله نصيري – الضابط الوفي لمحمد رضا , وخلال هذه الفترة التي استمرت احدى عشر سنة وصل عدد السافاك إلى خمسة الاف عنصر بار
المرحلة الثالثة : وهي مرحلة تسلط الجهاز واتساع نطاقه , وتحكمه من شؤن البلاد وقد شاعت سوء سمعة الجهاز خلال هذه المرحلة .
المرحلة الرابعة: مرحلة السقوط , وهي المرحلة الاخيرة والتي بدأت بعزل نصيري ومعتضد رئاسة مقدم , وانتهت بثورة 22 بهمن واستمرت 22 سنة
يتكون جهاز السافاك من عدة اجهزة يختص كل منها بمهام محددة وهذه  الاجهزة تخضع لرئاسة السافاك ورئاسة السافاك تضم عدة ادارات اهمها :
1-    ادارة التحقيقات وبها عدد من المختصين والحقوقيين
2-    ادارة تلقي الشكاوى
3-    النيابة الادارية للسافاك لتلقي المخالفات االدارية
4-    المحكمة الابتدائية للسافاك وبها خمسة اعضاء
5-    محكمة الاستئناف وهي مشكلة من سبعة اعضاء
6-    ادار الحسابات الخاصة بحسابات الادارة العامة في رئاسة السافاك
7-    الميزانية السرية وهي ميزانية المسؤل عنها رائد , ولا يعرف بنودها إلا رئيس السافاك .
كما توجد ادارة للنقليات وادارة الشئون الطبية .
إما الادارات القائمة في المحافظات فانها تشكل من عناصر حسب عدد سكان كل محافظة وتتكون الادارة في المحافظة من : رئيس – نائب – مدير مكتب الادارة العامة الاولى ولسادسة وشؤون مكتب الرئيس ونائب الرئيس  وفي كل ادارة من ادارات السافاك بالمحافظات قسم للامن الداخلي وهو شعبتان : شعبة النشاط السري , وشعبة استقراء الراي العام ويوجد أيضا ً شعبة فنية وشعبة مكافحة التجسس في بعض الادارات بالاضافة إلى شعبة التحقيقات في كل الادارات .
إما جهاز السافاك في المراكز فهي عبارة عن رئيس واثنيين أو ثلاثة مرشدين وبعض الحراس وفي خارج البلاد تنشر اجهزة السافاك وهي عبارة عن رئيس وموظف.

أستاذ تاريخ إيران المعاصر – جامعة الكوفة – كلية الآداب - العراق..