بقلم: مصطفى محمود علي
إنَّ الأمة التي لا تحفظ تاريخها هي أمة
جاهلة، حمقاء، تعيش عصور الجاهلية الأولى، من انحطاط، وتخبط، وتشتت .. تلك الكلمات
أكتبها ويكاد الدمع يفر من عيني، من هول ما رأيت منذ أربع سنوات، وما زال الوضع قائماً
لمْ يتغير.
شاهدت تاريخاً مُلقى على الأرض، ووثائق تبكي
وتشكى للمسؤولين حالها، وحجج وقف تنازع من أجل البقاء، عليها أكوام من الأتربة
تصيب قارئها بالحساسية، وضيق التنفس، وعدد كبير من الأمراض الصدرية، كل ذلك وأكثر
موجوداً بوزارة الأوقاف، تلك الوزارة المنوط بها رعاية الطبقة الاجتماعية الفقيرة،
ورعاية المحرومين والأطفال الأيتام، ورعاية العلم وأهله وغير ذلك مما نص عليه
الواقفون فى حجج وقفهم.
لا أدرى الى متى تظل أماكن حفظ حجج الوقف
هكذا، ملجئاً للفئران والحشرات الزاحفة، بداية من العِرسة وصولاً الى القطة، ما إنْ
ترى مخزن حفظ حجج الوقف إلَّا ويكاد يُغشى عليك من رائحته القذرة، وعفونة الهواء
المحتبس داخل ردهات الوزارة فى دورها السفلى – البدروم - ما إنْ تفتح باب مخزن
الوثائق إلَّا وتتأوه وتضرب كفاً على كفْ .. وستصطدم أكثر عندما تجول بنظرك ليقع
على حُجة فى حجم (إطار عربة) تراها ملقاه على البلاط المُحمَّل بأنواع الأتربة والجراثيم،
وقد تلاشت بعض الكلمات المكتوبة عليها، وتزداد كآبة وحزن وألم عندما تشاهد الوثائق
قد بُليت، وهى معرضة للدمار فى أىّ لحظة.
ليس هناك أىْ وسيلة أمان لحفظ هذا التراث
العظيم، بلْ هناك كل طريقة تساعد على خرابه ودماره، واندثاره فى أيّ لحظه - لا قدر
الله.
لازلت أتخيل منظر تلك الحجرة شبيهة المقبرة،
التى يضطلع فيها الباحثون، وخاصة عندما تهطل الأمطار فى الشتاء، وتدخل المياه الى
تلك الحجرة، بسبب تبلل أقدام الواردين إليها المحملة بالمياه، فتتعكر رائحة الهواء
وسرعان ما تحتاج للخل أوْ تضع منديلاً على أنفك فى محاولة بائسة لعدم شم تلك
الرائحة القذرة.
لا تحدثني عن دور المسئولين لأنه لا يوجد مسؤول
تستطع أنْ تحاسبه، ولو وجد لكنا جميعاً مسئولين عن هذا التراث، الذى يتلاعب به
مجموعة موظفين لاحول لهم ولا قوة، بلْ إنَّ وزراء الأوقاف لمْ يكلفوا أنفسهم الانتباه
إلى هذا الأمر طيلة عقود طويلة، فهم مشغولون برضا الحاكم الذى هو الآخر لا علم له
بما تحوية الوزارة من تاريخ.
فكروا معى حول أىّ المفاهيم والكلمات التى
نستطيع أنْ نصف بها هؤلاء جميعاً، أنصفهم بالفشلة المتخلفين؟ أم بعديمي الثقافة
والضمير؟ أم بقلة وعيهم بقيمة تاريخ بلادهم وحضارتهم؟
فى الواقع لمْ يلتفت أحد على الاطلاق الى
محاولة تطوير قاعة حفظ حجج الوقف، وتزداد الأمور سوءاً يوماً بعد يوم، وعاماً بعد
عام، وبالتوازي يتعرض هذا التراث فى كل لحظة للاختفاء القسري تحت ألسنة اللهب - لا
قدر الله - إذا نشأ تحت أىّ ظرف، خاصة إذا ما علمت أنَّ أكوام القمامة تتراكم أمام
المدخل، وتتساقط أعقاب السجائر من الموظفين البُلهاء من أعلى، فهم على درجة من
التأخر والجمود والرجعية أكثر من أىْ شيء آخر، إنهم يقضون نهارهم فى لعبٍ ولهو،
وبالكاد يقومون ببعض الأعمال التى من شأنها أنْ تُسيِّر الأمور فحسب، ولا تتعجب
عندما تسمع عبارات خادشه للحياء يتبادلها بعض الموظفين بصوت عال.
إنَّ جُل ما ننشده هو أن يتم الالتفات إلى
هذا الأمر على وجه السرعة، ودون تأخر، حتى لا نندم يوم لا ينفع الندم، وحتى نتفادى
وقوع الكارثة المُحتملة، وأكرر مرة أخرى بأنه لا توجد أىّ معايير للأمان لحفظ
تاريخنا فى هذه الوزارة، مما يجعل هذا التاريخ مهدد بالخطر.
ولا أدرى لمن أوجه هذه الرسالة، هل أوجهها
لوزير الأوقاف؟ أمْ لرئيس الجمهورية؟ أمْ للشعب؟ فإنَّ مسؤولية حفظ هذا التاريخ مشتركه
بين الجميع.