جديد المقتطف

الاثنين، 26 أكتوبر 2015

فلسطين .. حلم الوجود والفردوس المفقود

بقلم: سعاد محمد التهامي..

من بين القضايا واحدة كتبت هويتها بأنها فلسطينية، من بين مصطلحاتها النكبة التي هي المسير الأكثر إيلاما عبر التاريخ، هي مؤامرة فصل الروح عن الجسد، ومحاولة تغيير طبيعة الجغرافيا وتشويه مسار التاريخ، بإحلال عصابات محل شعب نبتت جذوره منذ أن بدأ التاريخ يخط أول حروفه، فباتت فلسطين فردوس مفقود في غيابة الاستيطان الصهيوني؛ وكان الحكم بتصفية ملامح الوجود العربي للمدن الفلسطينية، وإسقاط كل ما هو عربي في سبيل إحياء كل ما هو صهيوني؛ ليغدوا الشعب مجنيا عليه، وفي الوقت ذاته محكوم عليه بأن يكون بين غربة واغتراب. ويوم طالب الشعب بحقه من المجتمع الدولي بأن يضغط على الكيان الصهيوني ويعيد الحق لأصحابه، اكتشف حقيقة أن النظام الدولي لا يعترف بحقوق الضعفاء..
واستكمالا لمسيرة الظلم كان الظلم العربي لفلسطين يوم اقحمت القضية الفلسطينية في التناقضات العربية – العربية، ضف إلي ذلك الانقسام الفلسطيني المزمن لأشقاء على الشقاء مجتمعين إن ساد الهدوء بينهم؛ فاعلم أنه الهدوء الحذر كلاهما يضع أصبعه على الزناد تحسبا للمواجهة المحتملة، أساس خلافهم قصر في رام الله من زبد مبني على الماء، وأفكارهم ما بين علماني وإسلامي، وكلاهما يصرخ لمن الغلبة اليوم؟ أسلحتهم ألسنة متطاولة كل منهم على الآخر، وشعارتهم واهمة لا تستدعي سوى ضحكة ساخرة..
يقولون لك المصالحة، الوحدة، التحرير، فلا تصدق، فهم بالأحلام متاجرون، وبالوطن كافرون، معركتهم بين باطل وباطل، لذلك لا منتصر ولا مهزوم. لا شيء سوى سفك الدماء وطعن الأحلام، ولو أرادوا المصالحة لتصالحوا وبدأوها "بسم دماء طاهرة روت الأرض في سبيل الحرية، بسم انتفاضة رسم ملامحها الدرة وانتظر نبتتها حنظلة، بسم عرفات جبل لم تهزه الريح يوما، بسم ياسين رجل جهاده على الأرض آيه، بسم وفاء عروس زفت إلى السماء، بسم يافا الضائعة وحيفا الحائرة والقدس الثائرة، بسم غزة التى اشتق من اسمها العزة، بسم ناجي العلي الذي أعلى بفنه فلسطين الصامدة، بسم أطفال الحجارة أسلحتهم"..
كل ذلك جعل من فلسطين فردوسا على وشك السقوط؛ لأن كفتا الميزان غير متوازنة، بين عدو يبذل قصارى جهده للوصول إلى الحلم المنشود، وبين العرب المتكاسلين عن تحريك حتى أجفانهم، لتقابل أعينهم نور الحقيقة، فالمعادلة غير متعادلة بين مؤمنين بصهيونيتهم وكافرين بعروبتهم.
لكن إذا بحثت عن الحل الحقيقي للقضية فسيكمن في مقاومة فلسطينية ترفض كل مظاهر الاحتلال "فلا ضاع وطن وراءه مقاومة صامدة، وانتفاضة تأبى الخضوع والركوع"؛ ووحدها ستكون كفيلة بإفراز قيادات جديدة، الوطن قبلتهم ولا شيء غيره، يكتبون التاريخ من جديد، لأن التغني بالماضي وأمجاده لا يُجدي مع أرض مغتصبة، وجيران من شدة سكرهم أصابتهم الثمالة فأي عون ترجون من أمة راحت في سبات عميق، عجزت أصوات المدافع، وصراخ الأطفال وآهات الأمهات عن أن تيقظها؛ فملخص الحل في المقاومة، لا أرض بلا مقاومة، لاأرض بلا يقظة عربية.
انتفاضة فلسطين الشتات أصبحت واجبة، واجبهم أن يعيدوا من جديد أزمة اللاجئين على أجندة أولويات المجتمع الدولي، ليدركوا أن ثمة أزمة حقيقية، يجب البحث لها عن حل، ولابد أن يدرك العرب والفلسطينيون قبلهم بأنه لا أمل في مبادرات مقدمة من الولايات المتحدة؛ فالرابط بينها وبين إسرائيل رباط رحم. إدراك جوهر الأزمة الحقيقية، والذي يكمن في كيان صهيوني يتصرف وكأنه صاحب حق، وأنه من يملك الأرض، فلا حاجة له للتنازل ولا الرضى بأقل منه، لذلك كانت له اليد الطولى في أي مفاوضات يدخلها، على عكس الجانب العربي الذي يقدم تنازل بعد تنازل، والتنازلات ليست سمة أصحاب الحق. وفي الأخير جاء مرور 67 عام على ما حدث في عام 48 ليضعنا بين نكبة ونكسة، لتخبرنا الأرقام المشئومة بأن حالنا صار أشبه بالنكتة..