جديد المقتطف

السبت، 17 أكتوبر 2015

التسلُّق آفة البحث العلمي

بقلم الباحث: مصطفى محمود علي..


مُنيت مجتمعاتنا العربية بآفة التسلق، ولمْ تستطع أنْ تتخلص منها، بلْ يلاحظ أنَّ قاعدة المتسلقين تتسع وتزداد يوماً بعد يوم، ومرد ذلك إلى عدم وجود سياسة أوْ آلية تتحكم فى البحث العلمي، على أسس لا يستطيع أحد تجاوزها، لأنها تخضع لمعايير وموازين فائقة، من شأنها أنْ تحدث تقدماً نوعياً وطفرة فى شتى مناحي البحث العلمي.
ومن هنا؛ نشأ جيل مُتخبط اختلط فيه (الحابل بالنابل) فالفئة التي تتمتع بمميزات الباحث ذو الصفات البحثية المطلوبة والتى منها: الأمانة، والقدرة البحثية العالية، والصبر الطويل، والذكاء المتقد، وصفات أخرى عديدة .. من شأنها أنْ تُنبئ بباحث ممتاز، نرى هذه الفئة قد نالت (جزاء سنمار) إزاء الفئة الأخرى الباغية، ويصح أنْ نطلق عليها باغية، لأنها ظَلَمْت، واستغلت نفوذها ومعارفها فى الارتقاء إلى منازل لا تستحقها، وقدموا فى سبيل ذلك أموالاً أوْ رشاوى عديدة لتسيير الأمور، ومن هنا تم غض الطرف عما تقدمه هذه الفئة الباغية، من انتاج علمي، ودون النظر إلي روح الابتكار والتجديد والابداع والدقة، فَسَرَقْت أبحاث الأخرين وأفكارهم، وقدمتها فى ثوب عفن رديء، وتلقاها أولئك المُطففين، بترحاب وابتسامات عريضة مُصطنعة صفراء.
وعلى النقيض من ذلك؛ وجدنا الفئة الأولى قد حملت على عاتقها مسؤولية سد الخلل الذى أحدثته الفئة الباغية، ودون توجيه من أحد، وما دفعهم ذلك إلا الأمانة المغروسة فى نفوسهم، وحرصهم على تقديم كل عمل راقٍ، من شأنه أنْ يساهم فى تقدم البحث العلمي، ويدفع به إلى الأمام، ومع ذلك لمْ ينالوا ما يستحقونه من تكريم، أوْ رد الجميل، فترى الواحد منهم قد هلكت صحته، واقتصر طعامه وشرابه على ما يقيم صلبه، ويتحملون آلاماً لا نستطيع وصفها، بقلب راضٍ ونفوس مطمئنة، ومنهم من بزغ نجمه وصعد إلى أعلى عليين، وإذا به يحاول التقاط زملائه، فيصطدم بالفئة الثانية وهى الباغية، التى تدفع بكل غث إلى أماكن صعبة المنال.
لذلك حدثت حالة من التراخي فى البحث العلمي، إزاء المجاملات والإغراءات المقدمة من المُتسلِّقين.. وفى الوقت ذاته قامت دول العالم الغربي المتقدم بانتزاع المتسلقين من بينهم، والوقوف ضدهم، من خلال وضع شروط صارمة، لقبول الأبحاث العلمية المقدمة فى شتى فروعها، لذلك نراهم قد سبقونا بآلاف السنين، وللآسف الشديد يؤسفني القول بأننا لن نستطيع اللحاق بهم، فالفارق بيننا وبينهم ألف عام وربما أكثر.
وفى مصرنا وجدنا المتسلقون بكثرة، وسوقهم رائجة، وسلعتهم وافرة، يتلقفها ذوي الأغراض الضعيفة الدنيئة، والنفوس المريضة البالية، فباعوا ضمائرهم مقابل ما يُعرض عليهم، وما يعلمون بأنهم يخونون الأمانة، ويخونون بلدهم، ويقفون أمام تقدمها وعرقلة مسيرتها العلمية والثقافية، واذا حاولنا أنْ نلتمس لهم العذر، فأى الكلمات نكتبها فى ذلك؟ نقول: لا عذر لهم، ويوم القيامة، يقولون: يا ليتنا كنا ترابا.
لقد غابت عنا القيم النبيلة، والأخلاق السامية، فترى القوم صرعى كأنهم أعجاز نخلٍ خاوية.