بقلم: د. أحمد العامر
باحث في معهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي IREMAM
باكس ان بروفانس
ابن اياس, أبو البركات محمد بن أحمد شهاب الدين الناصري الجركسي
الحنفي، مؤرخ مصري ولد وتوفي في القاهرة (852/ 1448- توفي بعد 928/ 1522). لوقت
طويل لم يحصل ابن اياس على الاهتمام الكافي لا في عصره ولا حتى في الثلاثة قرون
اللاحقة. والدليل على ذلك عدم وجود سيرة ذاتية كاملة له لا في المصادر المملوكية
ولا حتى العثمانية. على الرغم من معاصرة ابن اياس لمؤرخين كبار هما ابن طولون (880-953/1475-1546). وابن
الحمصي (841-934/ 1473- 1527). لكن أيا منهما لم يكتب سيرة ذاتية لابن اياس. مع أن
ابن الحمصي استقر في القاهرة لفترة طويلة واستلم عدة وظائف في القاهرة. ربما لم
يكن لابن اياس في عصره نفس المكانة والاهتمام التي يتمتع بها في الوقت الحاضر
وخاصة بعد تحقيق أهم كتبه وهو كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور. وهو كتاب ضخم
ألفه ابن اياس على طريقة الحوليات خصصه لتاريخ مصر من أقدم العصور حتى 29 ذو الحجة
سنة 928/ 1522.
ويبقى الجزء الذي تحدث فيه عن مصر في العصر المملوكي هو أهم ما في
الكتاب وخاصة تلك التي عاصر فيها قبل وبعد دخول العثمانيون لمصر[1].
نستطيع تقسيم الأحداث التاريخية في بدائع الزهور إلى: أحداث سياسية, اقتصادية,
اجتماعية, طبيعية, بالإضافة إلى تدوينه للوفيات التي احتلت مكانة مهمة من الكتاب.
سنتحدث هنا عن أحداث كان وقوعها نذير شؤم في المجتمع المصري في ذلك العصر ودونها
ابن اياس مسبوقة أو متبوعة بكلمة (الفأل).
الفأل: هو قول أو فعل يستعمل فيما يسوء وفيما يسر واستعماله أكثر في
السرور. فقد تخفف الهمزة فنقول الفال كما هو الحال عندابن اياس الذي استعمل الفأل
بمعناه السلبي المتشائم، فلم نجد عنده أي استعمال للفأل بمعناه الإيجابي المتفائل.
قمنا بإحصاء لعدد المرات التي ذكر بها ابن اياس الفأل فكانت حسب الحصر
التالي:
من بداية الكتاب إلى سنة 763 /1362
(لم يذكر)
من سنة 764/1362 إلى سنة 815/1413 (لم يذكر)
من سنة816/1413 إلى سنة 872/1468 (14 مرة)
من سنة 873/1468 إلى سنة 906/1501
(8 مرات)
من سنة 907/1501 إلى سنة 921/1516 (6 مرات)
من سنة 922/1516 إلى سنة 928/1522 (10
مرات)
المجموع (38 مرة)
عدد المرات التي كان فيها الفأل بمحله 16 مرة
عدد المرات التي لم يكن فيها الفأل بمحله 2 مرة
عدد المرات التي لم يذكر ابن اياس فيها نتيجة الفأل 20
وتعليقات ابن اياس على ظاهرة الفأل من خلال إحدى العبارات التالية:
(وكان الفال بالمنطق[2])
(لا تنطقن بما كرهت...[3]) (وكان
الأمر كذلك[4]) (وكذلك
جرى[5]).
وكانت إشارات الفأل السيئ كما وردت عند ابن اياس هي إحدى الحالات
التالية: ظواهر طبيعية مثل: (خسوف للقمر أو كسوف للشمس أو إظلام جو أو ريح شديد أو
مطر غزير أو برق قوي). سقوط مئذنة جامع بناها سلطان, حرق إسطبل للسلطان أو حرق
خيمته أو سقوط باب القصر, موكب مميز للسلطان لا مثيل له ينذر بزوال السلطان, أن
يأتي العيد يوم الجمعة بالتالي يكون هنالك خطبتان في يوم واحد فذلك نذير بزوال
السلطان.
أما عن نتائج الفال السيئ عند ابن اياس فهي إحدى الحالات التالية: زوال السلطان, وقوع
فتن, خسارة معركة, زيادة كبيرة للنيل[6],
نهاية سعد موظف[7].
ظاهرة الفأل موجودة في المصادر الملوكية وان ابن اياس اخذ بعضا منها
فيما يخص الأحداث التي لم يعاصرها. لكن اهتمامه بظاهرة الفأل وتدوينها وتعليقاته
عليها في الفترة المعاصرة تبعث بدلالات قوية على إيمانه بهذه الظاهرة .
ابن اياس في فكره هذا يعكس ثقافة المجتمع المصري في ذلك الوقت، حيث لم
تظهر أي إشارة طبيعية حتى يفسرها المصريون بنذير خير أو شؤم. ونستطيع أن نفسر ذلك
بانتشار ظاهرة اليأس من تغيير الواقع الذي يعيشونه وبروز إيمان كبير بظاهرة
التنجيم والأبراج في المجتمع المصري. ويبدو أن ابن اياس كان مؤمنا بظاهرة الفال،
لكن ليس على طريقة التنجيم والأبراج، وإنما على طريقة التسليم بالقدر. ونستدل على
ذلك من خلال تعليق ابن اياس على حادثة لم يصح فيها الفأل باستشهاده بالبيتين
التاليين:
لا ترقب النجم في أمر تحاوله
فالله يفل لا جدى ولا حمل
مع السعادة مـا للنجم مـن اثـر فلا
يضرك مريخ ولا زحل[8]
[1] Al Amer, Ahmad, L’historiographie à l’époque
mamelouke à travers l’exemple de l’ouvrage Badāʼiʽ al-zuhūr d’Ibn Iyās : analyse
de la méthode et du contenu, thèse de doctorat sous la direction de Michel
Tuchscherer, octobre 2014, Aix Marseille Université. P. 1.
[2] ابن اياس, 1982, بدائع
الزهور في وقائع الدهور, تحقيق: محمد مصطفى, القاهرة: الهيئة المصرية العامة
للكتاب, خمسة أجزاء.الجزء الثاني, صفحة 6.
[7] نهاية سعد موظف استعملنا هنا نفس العبارة التي يستعملها ابن اياس وتعني
بداية مصائب ستحصل لموظف ( في معظم الحالات الموظف هو واحد من رجالات الدولة
المدنيين أو العسكريين ).