جديد المقتطف

Post Top Ad

الثلاثاء، 25 أبريل 2017

لطبيبات مصر تاريخ

إعداد : نسمة سيف الإسلام
باحثة دكتوراه - كلية الآداب - جامعة القاهرة.

ارتبط تأسيس الإدارة الصحية في القرن التاسع عشر بنشأة وتأسيس المدرسة الطبية وتطورها، حيث كانت نواة النظام الصحي في مصر الحديثة.
لم يكن بمصر قبل مجيء الحملة الفرنسية سوى مستشفي عسكري لمعالجة المصابين من الجيش المصري بمنطقة أبي زعبل، وقد وضع علماء الحملة مشروعا لإنشاء مستشفى يسع 400 سريرا، ولكن نظرا لانتشار الطاعون بين جنود الحملة تم إرجاء المشروع، ولما كانت الصحة في مصر في تلك الفترة في غاية السوء بصفة عامة، وللجنود بصفة خاصة، فعلى سبيل المثال كانت الأمراض الوبائية المختلفة منتشرة بفرقة الجيش العسكرية في الخانكة، ووصلت الوفيات بسبب الجدري وحده إلى 6000 حالة  في العام الواحد، ولذلك كان من الضروري أن يبدأ محمد علي في إنشاء مشروع لتحسين الصحة العامة، وكانت بداية ذلك عندما تم إنشاء مجلس للصحة بالإسكندرية  عام 1825  لاتخاذ ما يلزم  من الإجراءات للوقاية من  دخول الأوبئة إلى البلاد، ثم تطور ليصبح نظام الحجر الصحي، وقد استعان محمد علي بخبرات الأجانب لتأسيس نظامه الصحي. فأشار القنصل الإنجليزي في أكتوبر 1836 أن أحد أطباء العيون زار مصر ونجح في علاج عدد كبير من المصريين المصابين بالرمد، فعرض عليه  محمد علي البقاء للانتفاع بمهارته مقابل راتب كبير، وكان صاحب الفضل في إنشاء النظام الصحي الحديث في مصر هوالدكتور الفرنسي انطوان برتيلي كلوت الشهير بـ (كلوت بك) الذي رأى أن السبيل لإنشاء نظام صحي حديث للحد من انتشار الأوبئة والأمراض في الجيش بصفة خاصة هو وجود مستشفي مركزي يلحق به مدرسة للطب، وعرض الأمر على محمد علي، فرحب بالفكرة وأمر بافتتاح المدرسة بالفعل في 1827 بأبي زعبل بالقرب من معسكرات الجيش هناك، وكان من ضمن الخطة التي وضعها كلوت بك لتطوير الطب في مصر إنشاء مدرسة للقابلات (الولادة)، والتي أنشأت المدرسة بالفعل في 1832 لكنهم لم يجدوا والدا واحدا يقبل التحاق ابنته بالمدرسة رغم أن الدراسة والإقامة والملابس بالمجان، فتم اللجوء إلي الجواري الإفريقيات، ولكن الأمر فشل، فاضطر كلوت بك إلى الاستعانة برأي مديرة المدرسة الفرنسية التي كانت تري ضرورة الاستعانة بالفتيات المصريات، وتمت الاستعانة بالفتيات التي ولدن بالمستشفي التابع لمدرسة الطب العليا بأبي زعبل منذ إنشائها وتركتهن والدتهن دون قيد في سجل المواليد، ولم يطالبن بهن عند خروجهن من المستشفي، وكن ستة فتيات، ليكن نواة لطالبات المدرسة من المصريات، وبالفعل حققن نجاحا باهرا في التعلم، وارتفع عدد الطالبات بها من عشرة عام 1832 إلى خمسين بنتا عام 1837 وكان العدد في زيادة سنويا، وبذلك يرجع الفضل لهن على التعليم الطبي في مصر والمجتمع بصفة عامة.
كانت أول كاتبة في الصحف المصرية من خريجات هذه المدرسة، وهي المولدة (جليلة تمرهان) التي كتبت في مجلة "يعسوب الطب" - وهي أول دورية متخصصة في شئون الطب- وعالجت السيدة جليلة في مقالاتها صحو الحامل وإرشادات صحية وتربوية لتنشئة الطفل بطرق سليمة، وكذلك كانت بعض قيادات الحركة النسائية إبان ثورة 1919 من بنات خريجات هذه المدرسة مثل السيدة لبيبة أحمد ابنة المولدة صفية خريجة مدرسة المولدات.
وفي أعقاب الثورة المصرية عام 1919 واتساع نطاق تعليم المرأة بعد ما حدث له من تأخر في أعقاب الاحتلال البريطاني، شأنه شأن كافة فروع التعليم، خرجت للمجتمع المصرية الكثير من نماذج الطبيبات اللاتي أسهمن في خدمة المجتمع بصوره كبيره.
وفي عام 1915 تخرجت الفتاة المصرية "خديجة خليل مطير" من مدرسة معلمات السنية ضمن اللائي نلن دبلوم معلماتها وعملت فعلاً كمدرسة في إحدي مدارس وزارة المعارف، غير أنها رأت أن حاجة البلاد إلى الطبيبات أكثر من حاجتها إلي المدرسات، ووجدت في نفسها القدرة علي دراسة علوم الطب، فالتحقت بطب القصر العيني عام 1918 واستطاعت أن تقطع مرحلة التعليم في مدة ثلاث سنوات تخرجت بعدها عام 1921، حيث عينتها الحكومة طبيبة في محافظة الفيوم، ثم طلبت نقلها إلى مسقط رأسها مدينة طهطا لتتمكن من أداء واجبها تجاه أهالي بلدتها خاصة النساء، بالإضافة إلى الطبيبة خديجة خليل التي تعد أول طبيبة من صعيد مصر. كما تعد السيدة "نجلاء بدر" أول من حمل شهادة عالية من الولايات المتحدة الأمريكية في الصيدلة عام 1925، ولم يقتصر الأمر على هذه النماذج من الطبيبات فهناك مئات من الممرضات المصريات اللاتي حللن محل الإنجليزيات والسويسرات نظرا لتفوق المصريات وبراعتهن.
وكان الإلتحاق بكلية الطب قبيل عام 1928 مقصورا على الطلاب فقط، إلا إنه مع السماح للطالبات بدخول المرحلة الثانوية - البكالوريا سابقا - سمح للطالبات بالدراسة في كلية الطب جنبا إلى جنب مع البنين، وتخرجت أول دفعة من الطالبات في هذا العام.
ومن نماذج الطبيبات اللاتي كان لهن اسهامات كبيرة في المجتمع المصري زهيرة عابدين وهيلانة سيداروس، بالإضافة إلى نفيسة محمد وحكمت البدري وزينب إبراهيم أول طبيبات من الجامعة المصرية وخديجة خليل أول طبيبة مصرية تعمل في صعيد مصر. ومن نماذج الطبيبات اللاتي كان لهن دورا مهما:
كوكب حفني ناصف:
ولدت عام 1905، وهي الشقيقة الصغري للكاتبة الكبيرة "ملك حفني ناصف" (باحثة اليادية). وولدت كوكب في أسرة متوسطة الحال، ولكن على مستوي ثقافي كبير، فوالدها كان شاعرا ومعلما، وكان من ضمن مؤسسي الجمعة المصرية عام 1908، وكان أخويها جلال الدين ومجد الدين من  زعماء الحركة الطلابية أثناء ثورة 1919، وشاركت كوكب نفسها في الثورة مما أدي إلى فصلها من المدرسة، لكنها استكملت دراستها في مدرسة الحلمية بتفوق كبير حتي حصلت علي منحة دراسية عام 1922 في لندن لدراسة الطب، وكانت من ضمن خمس مصريات فقط نلن هذه الفرصة، ومنهن "هيلانة سيدراوس".



وبعد عودتها إلى مصر تعلمت الجراحة على يد الطبيب الكبير "نجيب محفوظ" الذي رأى فيها تفوق كبير فكان يسند إلي جراحات بمفردها ، وعملت كطبيبة في مستشفي كتشنر الإنجليزية - شبرا العام حاليا - وكانت كوكب حفني ناصف أول مصرية تتقلد منصب "حكيمباشي" بعد أن قاصرا على الإنجليزيات، ثم أول امرأة مصرية تنضم لعضوية نقابة الأطباء. وفي عام 1938 عندما طلب ملك السعودية "عبد العزيز آل سعود" من الطبيب علي باشا إبراهيم - أول عميد مصري لكلية طب قصر العيني - ترشيح طبيبة لمعالجة النساء في عائلته، قام بترشيح كوكب حفني ناصف، واستمر دورها الكبير، وكان لها الفضل في تأسييس أول مدرسة للتمريض في مصر، حتي كرمها الرئيس السادات ومنحها جائزة الدولة تقديرا لجهودها.