الحلقة الثالثة والأخيرة:
بعد نجاح إسرائيل في المعركة لم يعد هدف الحرب عسكرياً، بل
سياسياً تمثل في: (تدمير أكبر قدر من السلاح السوفييتي في المنطقة
العربية - تحطيم معنويات الجيش المصري - إهانة مصر بعد
الهزيمة حتى لا تعود إلى الصدارة - إسقاط النظام وجمال عبد الناصر - احتلال أكبر قدر ممكن من الأراضي
العربية).
وكان الهدف الأخير هو الأهم بالنسبة لإسرائيل، حتى تستطيع
استخدام تلك الأراضي كورقة تفاوض فيما بعد، للوصول لحل سلمي يضمن لها الاحتفاظ
بالأراضي الفلسطينية المحتلة، بحيث يصبح موضوع التفاوض هو الأراضي التي احتلتها في
عام 1967، أي تحريك الحدود موضوع التفاوض، ودفن القضية الفلسطينية تماماً.
واخفت السلطات العسكرية المصرية الكارثة، وأعلنت أنها قضت على
أكبر جزء من طيران العدو. ويبدو أن "عبد الناصر" ذاته لم يتم اطلاعه من
قبل "عامر" في الساعات الأولى على حقيقة الوضع.
وأدرك الرئيس "عبد الناصر" أن الهدف من 1967 هو
إسقاط النظام المصري، والعمل على فشل التجربة المصرية ككل. و قال لصلاح نصر: "دي
حكاية محمد علي بتتكرر يا صلاح" في إشارة إلى
ما فعلته الدول الكبرى مع "محمد علي باشا" عندما تعاظمت القوة المصرية
مما هدد مصالح القوى الكبرى في القرن التاسع عشر، وهنا لزم على الرئيس "عبد
الناصر" أن يتحمل المسئولية كلها، وكان قراره بالتنحي عن السلطة والقيام
بدوره كمواطن عادي في صفوف الجماهير.
ولم يقبل الشعب المصري الهزيمة، وهبت طوائف الشعب المصري
المؤيدة والمعارضة، للدفاع عن كرامة الرئيس المصري والزعيم العربي، ورفض الشارع أن
يترك "عبد الناصر" موقعه. ولعل السبب في ذلك، أن الحس والوعي التاريخي آنذاك،
قد جعلها تنظر لتلك الهزيمة كحدث عارض، وبذلك لم تنجح "إسرائيل" في
تحقيق هدفها الأساسي، وهو استسلام الشارع العربي، وإجباره على التراجع عن مسيرة
التقدم والقومية العربية.
وكان يجب على الرئيس "عبد الناصر" الاستجابة لذلك
الوعي من واقع مسئوليته، فتغلب على الموقف، وبدأ على الفور في إعادة بناء القوات المسلحة والجبهة الداخلية، وكان الصمود
المصري نموذجاً لإصرار شعب على ألا يستسلم. وبعد أيام قليلة كانت معركة "رأس
العش" دليلاً على عودة الروح للجيش المصري، وكان قرار عبد الناصر بشن حرب الاستنزاف يحمل رسالة لإسرائيل هو: (أن
للاحتفاظ بالأرض المسلوبة ثمناً فادحاً عليها أن تتحمله).
وفي النهاية،،،
إن استقراء السياسة المصرية في ستينيات القرن العشرين، وردود
الفعل العالمية والعربية إزاءها، يؤكد أن هزيمة حرب 1967 كانت نتيجة حتمية لتلك
السياسات. فالدخول في مواجهة عنيفة ومباشرة مع مصالح أمريكا وبريطانيا في المنطقة، دفع بهاتين
القوتين العظميين للدخول كطرف مؤيد مع إسرائيل لتنفيذ إسقاط النظام المصري والحد
من نفوذه في المنطقة.
وتعد هزيمة 1967 بمثابة منعطف إجباري لطريق صعب مشى فيه الرئيس
"عبد الناصر". ومن الإنصاف أن نتذكر أن تلك السياسات إنما كان هدفها هو
أن يتحرر العالم العربي من قيود الاستعمار المعلن والمستتر، وأن تنطلق القوى
القومية في طريق التقدم نحو وحدة عربية شاملة. ولكن الظروف والمصالح الدولية جعلت
ذلك الهدف المشروع بمثابة خطر يهدد مصالح الدول الكبرى، فكانت الهزيمة نتيجة للسعي
نحو أحلام مشروعة، حاول الاستعمار بشتى الطرق أن يجهضها.
وأخيراً، وإن كانت حرب 1967 قد انتهت بهزيمة
للمسيرة المصرية، فقد عملت مصر قيادةً وشعباً وجيشاً على الاستفادة من دروس تلك الهزيمة،
فكانت حرب 1973 المجيدة مثالاً فريداً في التخطيط والتنفيذ المتناغم لكل أسلحة
الجيش والسياسة معاً، وكان قرار الرئيس "محمد أنور السادات" بالعبور نموذجاً للمسئولية
التاريخية، وتنفيذاً عملياً لأسلوب الحرب الخاطفة، وكانت الضربة الجوية المصرية
بقيادة الرئيس "محمد حسني مبارك" لطمة جوية قاسية، أفقدت إسرائيل رشدها،
فجاء انتصار 1973 ليعيد الكرامة لمصر وللمقاتل المصري والعربي، مما جعل السعي
للسلام من مركز القوة ممكناً، وأنهى للأبد أساطير القوة الإسرائيلية، فمهما كانت
القوة العسكرية، ولكن يبقى الإيمان بالقضية هو محور النصر مهما طال الزمن.
مراجع
الدراسة:
محمد
حسنين هيكل، 1967 الانفجار: حرب الثلاثين سنة (القاهرة:مركز الاهرام
للترجمة والنشر, 1990).
هنري
لورنس، اللعبة الكبرى: المشرق العربي والأطماع الدولية، ترجمة: عبد
الحكيم الأربد (بيروت: 1990).
جاك
دومال؛ ماري لوروا، جمال عبد الناصر من حصار الفالوجا حتى
الاستقالة المستحيلة (بيروت: دار الآداب، 1970).
أمين
هويدي، حروب عبد الناصر، ط3 (القاهرة: دار الموقف العربي، 1982).
محمد
فوزي (مذكرات)، حرب الثلاث سنوات 1967– 1970 (القاهرة: دار
المستقبل العربي، 1983).
Jeremy
Bowen, Six Days: How the 1967 War
Shaped the Middle East, New York 2003.