جديد المقتطف

الأحد، 2 مارس 2014

هل عرف قدماء المصريين فكرة التاريخ؟


ربما سأل سائل هل عرف قدماء المصريين فكرة التاريخ، وهل خلفوا لنا ورائهم وثائق دونوا فيها تاريخهم الصحيح ؟ والجواب على الشطر الأول من السؤال أن المصريين كغيرهم من شعوب العالم لم يفهموا التاريخ كما نفهمه الآن او حتى كما فهمه اليونان, واذا كانت فكرة التاريخ كما نعرفها الآن لم يكن لها وجود في تلك العصور القديمة فلا شك أنه كان لديهم ما يمكن أن نسميه احساساً بالتايخ فإنهم لم يفهموا حاضرهم إلا في ضوء ما ضيهم كما انتشرت بينهم فكرة عامة وهي الأعلاء من شان ما مضى من أيام واستلهام حضارتهم منها ومحاولة إحياء تقاليدها من آن لآخر.


وجوابنا على الشطر الثاني من السؤال أنهم خلفوا وراءهم وثائق بتاريخهم كما كانوا يتصورون التاريخ, فمنذ الأسرة الولى نرى آثاراً يسجلون عليها بعض أعمال الملوك كما تركوا لنا أيضاً أكثر من وثيقة واحدة عليها جداول بأسماء الملوك مرتبة ترتيباً زمنياً, ووصلت بهم الدقة في بعضها أنهم لم يرتبوا الملوك فحسب بل ذكروا مدة حكمهم بالسنة والشهر واليوم ولنذكلر الآن أهم المصادر المصرية عن أسماء الملوك وترتيبهم.      
حجر بالرمو:
في أواخر أيام الأسرة الخامسة المصرية أو ربما في أوائل الأسرة السادسة, كان يقوم في معبد من معابد العاصمة في منف حجر لا يقل طوله عن مترين ويزيد ارتفاعه عن سبعين سنتيمتر نقش وجهاه بنقوش في سطور كتبت فيها أسماء جميع من حكموا مصر منذ أيام ما قبل الأسرة الأولى مع مدة حكم كل منهم, مقسما إلى سنوات وأهم ما حدث في كل سنة ولأمر ما حطم هذا الحجر إلى قطع صغيرة عثر حتى الآن على ستة منها أكبرها وأهمها موجودة في صقلية منذ 1859 ونقلت إلى متحف مدينة بالرمو في عام 1877 ويوجد بالمتحف المصري أربع قطع والقطعة السادسة بمتحف الجامعة في لندن وهذه القطع لم يعرف إذا كانت من حجر واحد أو من عدة نسخ لنفس الحجر الديوريت  أقيم كل واحد في أحد المعابد الهامة مهما يكن فإن الأثر كان يحوي أسماء الملوك مبتدئا في الصف الأعلى بجدول أسماء الملوك الذين كانوا يحكمون كلا من شطري مصر أي الدلتا والصعيد, وتحت كل منهم رسم ملك جالس وعلى رأسه ص 33 أحمد فخري تاج أحد البلدين, وربما كان في هذا الصف 140 منهم أو أكثر من ذلك, وآخر اسم محفوظ على تلك القطع هو اسم الملك نفر إر كارع من الأسرة الخامسة, ونرى على أحدى القطع التي في متحف القاهرة أن بعضهم يضع التاج المزدوج فوق رأسه مما جعل الباحثين في التاريخ المصري يؤمنون الآن بأنه كانت هناك مملكتا الدلتا والصعيد عاشتا مستقلتين فترة طويلة من الزمن إلى أن تمكن أحد ملوك الدلتا من إخضاع الصعيد وتوحيد مصر.
بردية تورين:
عثر عليها الرحالة الإيطالي دروفتى في منف في أوائل القرن التاسع عشر ووضعت في متحف تورين وقام الدكتور إبشر بترميمها ونشرها  الأثري فارينا بعد الترميم عام 1938 وقام الأثريين جاردنر وشرني بمراجعة الأصل وإصلاح بعض قراءات فارينا ونشرا نتيجة أبحاثهم في نشرة خاصة وزعاها على بعض المتاحف والعلماء وكانت تحتوي هذه البردية على أكثر من ثلاثمائة أسم من أسماء الملوك وتحت اسم كل منهم عدد سنوات حكمه, وتبدأ هذه البردية بالآلهة الذين حكموا مصر وتستمر حتى نهاية عصر الفترة الثانية بما في ذلك ملوك الهكسوس, وتنتهي أسماء قبيل الأسرة الثامنة عشرة, وهذه البردية هي دون شك من خير المصادر وأدقها ويعتمد عليها المؤرخون كثيراً في ترتيب أسماء الموك وعدد سنوات حكمهم, وقد كتبت في عهد الأسرة التاسعة عشرة وإن كان لا يمكننا معرفة السبب الحقيقي الذي دعا إلى كتابتها.
تاريخ مانيتون:
ورد اسمه في أحد البرديات وهو كاهناً مصرياً في معبد في سمنود في مديرية الغربية واشتهر بعلمه ومعرفته لتاريخ مصر ولغتها, وأراد بطليموس الثاني حوالي 280 ق.م ان يستفيد من علمه وذلك بتكليفه بكتابة تاريخ مصر استقى مصادره مما كان في المعابد ومكاتب الحكومة من وثائق, ومما يبعث على الحزن أن تاريخ مانيتون الأصلي فقد في حريق مكتبة الأسكندرية ولم يعثر حتى الآن على أي نسخة كاملة او ناقصة منه وكل ما وصل إلى أيدينا ليس إلا مقتطقات من ذلك التاريخ نقلها المؤرخ اليهودي يوسيفوس في كتابه الذي سماه الرد على ايبون مدافعاً فيه عن اليهود , وقد وصل الينا أيضاً من تاريخ مانيتون جداول بأسماء الأسرات والملوك وعدد سني حكمهم في مؤلفات بعض الكتاب المسيحيين وخاصة جوليوس الافريقي 217 ميلادية الذي نقل عنه الكاتب يوسيبوس 327 ميلادية, ولكن أفضل النصوص وأدقها هو ما جاء في الكتاب المسمى Chronographia الذي قام بجمعه جيورجيوس سينسلوس, وبالرغم من جميع الأخطاء التي حدثت في النقل وما اصاب أسماء الملوك من تحريف, وما سقط دون شك من بعض النصوص, فإن ما وصل إلينا من تاريخ مانيتون مصدر من أهم المصادر لتاريخ مصر ولا يمكن الاستغناء عنه.
لوحة الكرنك:
أقامها تحوتمس الثالث في إحدى الحجرات الصغيرة إلى جانب بهو الأعياد في نعبد الكرنك وتوجد الآن في متحف اللوفر, تحتوي على مجموعة مختارة من أسماء الملوك عددهم 61 ملكاً, وقد تحطم أو اسم في اللوحة ولكن الاسم الذي يليه هو اسم الملك سنفرو مؤسس الاسرة الرابعة ثم يليه بعض ملوك هذه الأسرة ثم الأسرات الخامسة والسادسة ثم أسقط كاتبها الأصلي ملوك عصر الفترة الأولى وعاد إلى ذكر بعض ملوك الأسرات الحادية عشرة ثم الثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة ثم السابعة عشرة.
لوحة أبيدوس:
على أحد جدران معبد الملك سيتي الأول في أبيدوس حوالي 1300 ق.م نرى هذه اللوحة وقد وقف أمامها الملك رمسيس الثاني يقدم القرابين للملوك المذكورة أسماؤهم عليها وعددهم ستة وسبعون ملكا.
وتبدأ الأسماء بملوك الأسرة الأولى فتذكر ثمانية ويتلوها سبعة من الملوك الثمانية المعروفين لنا من الاسرة الثانية, فذا ما وصلنا إلى الأسرة الثالثة نراه يذكر خمسة من ملوكها ثم يذكر بعد ذلك ستة من الملوك المعروفين في الأسرة الرابعة ثم ثمانية من الملوك التسعة المعروفين في الأسرة الخامسة ويليهم ملوك الأسرة السادسة ثم خمسة عشر ملكا من ملوك السرتين السابعة والثامنة ولم يذكر الا ملكين من ملوك الأسرة الحادية عشرة ولكنه (رمسيس الثاني) ذكر جميع ملوك الأسرة الثانية عشرة ما عدا الملكة سبك نفرو آخر حكام هذه الأسرة, ولم تذكر لوحة أبيدوس أي ملك من ملوك عصر الفترة الثانية بما في ذلك ملوك الهكسوس, ويبدأ بعد ذلك بملوك الأسرة الثامنة عشرة فيسميهم جميعا إلى أن يصل إلى الملك امنحتب الثالث فيتبعه بحور محب آخر ملوك الأسرة وأسقط اخناتون سمنخ كارع توت عنخ آمون و آى وكذلك فعل بالملكة حتشبسوت.
لوحة سقارة:
عثر على هذه اللوحة في مقبرة أحد الكهنة في سقارة واسمه تنرى الذي عاشا في أيام رمسيس الثاني وهي الآن بالمتحف المصري بالقاهرة، وتحتوي على أسماء ثمانية وخمسين ملكا يبدأون بالملك مر-بى-با سادس ملوك الأسرة الأولى وربما هو أول ملوك الأسرة الأولى الذين أقاموا في العاصمة الجديدة منف وتنتهي اللوحة بأسماء الملوك الثلاثة الأولى من الأسرة التاسعة عشرة وهم رمسيس الول وسيتي الأول ورمسيس الثاني.
وعلى أية حال فقد ورد اسم ملكين آخرين من ملوك الأسرة الأولى وثمانية من ملوك الأسرة الثانية وأربعة من الملوك الخمسة الذين حكموا في الثالثة, ومما سترعي النظر أنه من المرجح جداً أنه كان مذكوراً على هذه اللوحة تسعة ملوك للأسرة الرابعة ولكن مما يدعوا للأسف أن الأربعة الأخيرين قد تحطمت أسماؤهم, فإذا ما وصلنا إلى الأسرة الخامسة نرى أسماء ثمانية من ملوكها التسعة ولكنا لا نرى إلا أربعة فقط من ملوك السرة السادسة, ولا يوجد على هذه للوحة لأثلا لملوك الأسرات السابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة, ولا نجد عليها من ملوك الأسرة الحادية عشرة إلا اسمي الملكين اللذين وردا في لوحة أبيدوس, ولكنا نرى أسماء ملوك الأسرة الثانمية عشرة كاملة بما في ذلك الملكة التي حكمت في آخر الأسرة سبك-كاوو-رع وتم اسقاط جميع ملوك عصر الفترة الثانية كما اسقط اسم حتشبسوت واخناتون وما تلاه من عائلته.
نصوص الأنساب:

تعتبر أهم المصادر التي تساعد على دراسة تتابع الملوك على العرش أهمها نص عل لوح من الحجر الجيري بمتحف برلين 23673 خلفه لنا الكاهن "عنخف-إن-سخمت" الذي كان كاهنا لكل من الإله بتاح وزوجته الالهة سخمت في الأسرة الثانية والعشرين أي حوالي عام 750 ق.م كتب هذا الكاهن نسباص طويلا لعائلته على ذلك اللوح ذكر عليه ستين جدا له كتب أمام الكثيرين منهم أسماء الملوك الذين عاشوا في أيامهم , عاش ذلك الكاهن حوالي عام 750 ق.م ولكنه رجح بأجداده إلى الأسرة الحادية عشرة حوالي عام 2100 ق.م أي خلال فترة لا تقل عن 1350 سنة وقد فقد أسماء أقدم جدين لهذا الكاهن مع النقوش الأخرى الخاصة بهما, ولكن اسم الجد الثالث محفوظ وعاش في عهد الملك منتوحتب الثاني, وتستمر الأجيال واحدا بعد آخر, ويذكر بعض أسماء ملوك الهكسوس ولم يحذف عصر العمارنة إذ عاش له جدان في عهد امنحوتب الثالث وتلاهم آخر في عهد الملك آى الذي عبر صاحب النص على عدم رضاه عنه بكتابة اسمه دون وضعه في خانة ملكية..