بقلم: مي سعيد عبد
المنصف *
تحتل قصة النبي موسى-عليه
السلام- في العهد القديم مكانة تاريخية مهمة، فقد جاء الحديث بشكل خاص عن قصة النبي
موسى وأحداث الخروج من مصر في سفر الخروج، بينما جاء في كلاً من العدد والتثنية واللاويين
الحديث بشكل عام عن أحوال بنى إسرائيل وأوضاعهم مع النبي موسى عليه السلام في التية.
ويتحدث سفر الخروج عن قصة موسى، فيذكرانه من سبط لاوي، وكان أصغر أولاد أبيه عمران وأمه يوكابد،
وثالث ثلاثة مريم البكر وهارون الثاني، وحينما ولدت يوكابد موسى أخفاه أهله ثلاث أشهر، ثم اضطروا أن يضعوه في
النهر، حتى وجدته ابنة فرعون فربته وأسمته موسى لأنها انتشلته من الماء، ورغم تربيته
المصرية ظل موسى مخلصًا لشعبه الأصلي، اضطر موسى للهرب إلى مديان حيث تزوج ابنة كاهن
القرية، وبعد سبعة سنوات، ظهر له ملاك الرب في وسط عليقة تشتعل فيها النار ولا تحترق،
ثم ظهر الله له في العليقة فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله، وفقا للسفر، فقد عيّن
الله موسى لكي ينقذ شعب إسرائيل من العبودية، وقد فعل موسى كما طلب الله منه، وبحسب
السفر أيضًا فقد جعل الله عصا موسى تتحول إلى أفعى، كلما ألقاها موسى على الأرض، لكي
تكون دليلا لبني إسرائيل على حقيقة دعوة موسى، وعين هارون أخاه لمساعدته، وامرهم
الرب ان يذهبا الى فرعون مؤيدين بالآيات والمعجزات، وبالفعل ذهبا موسى وهارون الى فرعون،
وطلبوا منه أن يسمح لبنى اسرائيل بالخروج معهم من مصر لكن رفض فرعون إطلاق سراح بنى إسرائيل، بل شدد من قسوته عليهم، وعندما التقى
موسى وهارون مرة أخرى بفرعون، بدأ فرعون مجادلة موسى وبدأ يَمُن علية ويظهر فضله
على موسى بأنه تربى في بيته، وبهذا يقتضى عليه أن يكون وافيًا له، وقد اظهر موسى عجيبة
العصا التي تحولت إلى أفعى، لكن فرعون رفض إطلاق سراح بني إسرائيل من مصر، وبسبب
عناد وكفر فرعون جاءت الضربات العشر التي عان منها الشعب بأكمله ومن هذه الضربات نذكر: تحول مياه الأنهار إلى دماء، وغزو الذباب والضفادع
جميع أماكن مصر، وغزو الجراد لمحاصيل مصر وإتلافها، وموت جميع مواشى المصريين أما
مواشى بنى اسرائيل فلم تمت، وضرب البرد
ارض مصر فأصاب كل ما في الحقول من الناس والبهائم وجميع عشب الحقل، ومن أشد هذة الضربات كانت ضربة موت كل بكر في
أرض مصر بدءًا من بكر فرعون مرورًا بمن يجلس على كرسيه نهاية ببكر الجارية، اما
بالنسبة لحادث خروج بنى اسرائيل من مصر فقد احاط غموضًا شديدًا، بالرغم من أهميته وأثره فيما بعد على التاريخ اليهودي، فقد أختلف علماء التاريخ
والأديان في الأسباب الحقيقية والموضوعية التي من أجلها رَغَب بنى اسرائيل في الخروج
من مصر، فعلى الرغم من استقرارهم فيها أكثر من أربعة مئة سنة نالوا خلالها كل الاحترام
والتقدير، إلا أن التوراة جعلت حادث الخروج من مصر بين سبب ودافع، فالسبب كان هو الخلاص من العبودية والذل، الذى عانوا
منة داخل أرض مصر كما ذُكر في (سفر الخروج 1،3 :3-6)، أما الدافع كان هو دخول أرض كنعان
أرض الآباء والأجداد وفقًا للوعد الإلهي الذى أعطه الرب لبنى إسرائيل. أما بالنسبة للجماعة
التي خرجت من مصر فقد ذكر الباحثين (فرويد، جوستان لوبون) ليس لها علاقة ببنى إسرائيل
فهي عبارة عن جماعات من الساميين، منها الخابيرو الذين كانوا يستخدمون في تشيد المدن
و المباني المصرية القديمة، ومنها الهكسوس والأسرى الهاربين من سادتهم والعبيد المتمردين،
ومنها غير الساميين أيضا وكل هؤلاء كانوا يتكلمون اللغة المصرية القديمة،ويؤكد (فرويد) أن الذين
خرجوا من أرض مصر بقيادة موسى لم يكونوا من بنى اسرائيل كما ذكرت التوراة، وإنما كانوا
أكثرهم من الطارئين على البلاد من غير المصريين فمنهم السامين البدو من العبرانيين
والأدوميين والبابليين والكنعانيين وغيرهم من الأقوام السامية، وبالنسبة لعدد
الخارجيين من مصر ذكرت التوراة (سفر الخروج37:8-38) أن عددهم ستة مئة الف من
الرجال عدا الأولاد وصعد معهم الكثير من الغنم والمواشي، ويبدوا أن هذا العدد فية
مبالغة شديدة. أما تاريخ الخروج فلم تحدده
نصوص التوراة بشكل صريح فقد جاء في سفر الخروج أن تاريخ الخروج حدث بعد أربعمائة وثلاثين
سنة من إقامة بنى اسرائيل في مصر، وقد رَبَطت التوراة ميعاد الخروج بزمن الاحتفال بعيد
الفصح، لان بدأت رحلتهم وخروجهم من مصر في منتصف ليلة العاشر من شهر أبيب، وتحظى هذه
الليلة التي خرج فيها بنى اسرائيل من مصر بقدسية خاصة لدى شعب إسرائيل، وكان أمر الرب
اليهم ووصيته لهم كما جاءت في (سفر الخروج12/15)
"سبعة ايام تأكلون فطيرًا واليوم الأول تعزلون الخمير من بيوتكم فإن كل
من أكل خميرًا من اليوم الأول الى اليوم السابع تقطع تلك النفس من اسرائيل "،ويرجع
السبب في أكل العجين غير مختمر ليظلوا في حالة
استعداد تام للرحيل طوال الوقت، أوساطهم مشدودة، نعالهم في أرجلهم عصيانهم في أيدهم
يأكلون وهم قيامًا، وأمتعتهم محزومة الى جوارهم.
وتذكر التوراة أن بنى
اسرائيل عند خروجهم من مصر رحلوا من راعمسيس
الى سكوت فلم يهدهم الرب مباشرًا الى
أرض فلسطين، فاراد الله للشعب طريق البرية (بحر سوف) فارحلوا من سكوت ونزلوا في ايتام،
وكان الرب يسير أمامهم نهارًا في عمود من سحاب ليهديهم الطريق، وليلا في عمود من نار
ليضيء لهم، ثم رجعوا ونزلوا الى فم الحيروث بين مجدل والبحر امام بعل صيفيون مثلما ورد في الخروج (14/1)، وعندما ادرك المصريون
أن بنى إسرائيل هربوا من أمامهم تابعوهم، وهم نازلون عند البحر عند فم الحيروث أمام
بعل صفون، ففزع بنى اسرائيل عندما ادركوا ان المصريون ورائهم، فأمر الرب موسى أن يرفع
عصاه، ويمد يده فشق البحر مثلما ورد في الخروج
(14/5-15)، ثم رحلوا من بحر سوف وتوجهوا الى (برية شور) فساروا ثلاثة أيام في البرية،
ولم يجدوا ماءا فجاءوا الى مارة (خروج15/22-23) ، ثم جاءوا الى ايليم (خروج 15/27
) ثم الى برية سين (خروج 16/1) التي بين ايليم وبرية سيناء ثم رحلوا من برية سين ونزلوا
الى رفيديم (خروج 17/1) ثم رحلوا من رفيديم وجاءوا الى برية سيناء (خروج 19/2
).
وبالنسبة لأحوال
بنى اسرائيل في التية فكان النظام الأجتماعى السائد في هذة الفترة كان النظام
القبلي المعروف منذ القدم، فكانت الأسرة والعشيرة
أساس المجتمع وكان رؤساء الأسر يعرفون (شيوخ)، وكان المجلس الذى يجتمعون فية يسمى (مَعيد)
ويعنى مكان الاجتماع وكانت أجتماعاتهم تعقد عادة عند باب المدينة حيث تناقش الأمور
الاجتماعية والسياسية وكل ما يهم أمر العشيرة، وكانت كلمة القاضي يجب أن تنفذ لا نها
جاءت وفقًا للشريعة، وكان الشعب عبارة عن جماعه غير منظمة من القبائل على نفس الصورة
السائدة قديمًا وأستطاع موسى أن يجعل منهم أمة رغم كل الصعوبات وساعده على ذلك نجاحه
في الخروج بهم من مصر.
وتشير التوراة (الخروج16/31،عدد11/8)
الى أن طعام بنى اسرائيل في تلك الفترة كان من المن والسلوى فكان المن عبارة عن مادة
حلوة تتكون في الجو وتتساقط مع قطرات الندى، وكان يشبه بذرة الكزبرة وكان طعمه كرقاق
بعسل أو كقطائف بزبيب، وكان الإسرائيليون يطوفون ليلتقطونه ثم يدقونه في الهون ويطحنون
في القدور (العدد 11:4/9)، وكان المن بمثابة الخبز أما اللحم فكان السلوى وهو نوع من
الطيور. وبالنسبة للوضع الديني لبنى إسرائيل في التية فكان يترأسه النبي موسى،
وكان يتطلب عدة أمور لممارسة الشريعة اليهودية، منها:
·
خيمة الاجتماع:
عبارة عن خيمة بداخلها أدوات لممارسة العبادة، وأقامه الشعائر
وبها تابوت العهد، ومائدة خبز الوجه، والمنارة، ومذبح البخور، ومذبح المحترقات، والقدر
النحاس، وبجانب ذلك توجد أدوات أخرى مساعدة صغيرة تستخدم في أغراض مختلفة مثل: تقطيع
الذبائح، والإمساك بجمر النار، والتقليب، والسكب.
·
تابوت العهد: عبارة
عن صندوق طوله زراعين ونصف، وعرضة زراع ونصف، وارتفاعه زراع ونصف، ومطلى بالذهب من
الخارج، وبه أربع حلقات من ذهب في أركانه، يدخل فيها عمودان من الخشب، ويقال يوجد بداخله
لوحى العهد الذى قطعه الرب مع بنى اسرائيل عندما خرجوا من مصر، وقد كان تابوت العهد
رمزًا للرب فلذلك لابد لمن يحمله أن يكون طاهرًا حتى لا يحل علية غضب الرب.
وبدأ (يشوع بن
نون) يظهر على مسرح الأحداث، فكان القائد في حرب العماليق، وقد عينه النبي موسى
خليفة له في قيادة بنى اسرائيل، وذلك حينما قال الرب للنبي موسى
خذ يشوع بن نون رجلا ففعل موسى كما امره الرب، وبعد أن عين موسى يشوع بن
نون وأَخبر بنى اسرائيل أنه سيموت وحَث بنى اسرائيل على حفظهم للشريعة ، صعد موسى
الى جبل (نبو) وراي موسى من فوقه جميع أرض
فلسطين ومات هناك، وذكرت المصادر التوراتية أن كان عمر النبي موسى وقت وفاته،
مائة وعشرون عامًا، قضى منها أربعون عامًا في قصر فرعون وأربعون عامًا في برية
مدين، وأربعون عامًا في رئاسته لبنى اسرائيل في البرية.
(*) باحثة في الديانة اليهودية وتاريخ الشرق الأدني القديم...
المراجع:
1- العهد القديم.
2- ظاظا (حسن): الفكر الديني الإسرائيلي أطواره ومذاهبه,
مكتبة سعيد رأفت، د(ت)،القاهرة.
3- جلال (الفت محمد): العقيدة الدينية والنظم التشريعية عند
اليهود، مكتبة سعيد رأفت، القاهرة، 1974م.
4- مهران (محمد بيومي):
بنو إسرائيل، "التاريخ منذ ابراهيم حتى عصر موسى"، ج1، دار
المعرفة الجامعية، الأسكندرية،1999م .
5- אנצקלופדיה המקרית، כרך ה، ירושלים، תל אביב،1968.
6- קויפמן (יחזקאל), תולדות האמונה הישׂראלית "מימי
קדם עד סוף בית שני ", כרך שני, ספר(א)، הוצאת מוסד ביאליק, הדפסה
שמינית, ירושלים, 1972.