بقلم: عماد البحراني
كاتب وباحث عماني
عاشت عمان في ظلام و فرقة وانقسام لأكثر من قرن من الزمن (1856- 1970م)، وذلك بعد أن شهدت ذروة ازدهارها في النصف الأول من القرن التاسع عشر في عهد السيد سعيد بن سلطان (1806- 1856م)، بحيث كونت إمبراطورية مترامية الأطراف شملت عمان وشرقي إفريقيا، وبدأ الانحدار عقب وفاة السيد سعيد بن سلطان في 1856م وما تبع ذلك من خلاف بين أبنائه : (ثويني حاكم عمان، وماجد حاكم زنجبار) مما أدى إلى تدخل بريطانيا وعملها على إصدار قرار يلزم الطرفين بتقسيم الإمبراطورية العمانية إلى قسمين : (عمان تحت حكم ثويني، وزنجبار تحت حكم ماجد)، وتواصل الانحدار بل تعمق أكثر بعد ذلك، وانهار الاقتصاد وتدنى المستوى المعيشي للمواطنين، ثم تلى ذلك انقسام عمان نفسها وذلك عقب معاهدة السيب 1920م التي صاغتها بريطانيا أيضا، والتي بموجبها قسمت عمان إلى دولتين: (سلطنة مسقط) في الساحل و (إمامة عمان) في الداخل.
وقد كان هذا الحل – من وجهة نظر بريطانيا- هو أسوأ من المشكلة ذاتها، إذا أنه لم ينه الصراع بين أبناء الوطن الواحد بل تواصل الصراع،حتى وقع الصدام المسلح بين السلطنة والإمامة بين عامي (1957- 1959م ) بما يعرف بحرب الجبل الأخضر، حيث تمكن السلطان الراحل سعيد بن تيمور (1932- 1970م) بمساعدة بريطانيا من إقصاء الإمامة والتجأ قادتها وفي مقدمتهم الأمام غالب بن علي الهنائي إلى الدمام في المملكة العربية السعودية، فضمت داخلية عمان إلى سلطة سعيد بن تيمور، وأصبح اسم عمان الرسمي حينها "سلطنة مسقط وعمان" ولكن الصراع لم ينتهي في عمان، فقد قامت ثورة جديدة في الإقليم الجنوبي لعمان "ظفار" ضد حكم السلطان سعيد بن تيمور عام 1965م، وقد استنزفت هذه الحروب والصراعات طاقات البلد، وجمدت عملية التنمية لسنوات عديدة، ودفعت بالآلاف العمانيين للهجرة من بلادهم بحثا عن الرزق والاستقرار، بسبب شح الموارد وتردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وعدم وجود الرعاية الصحية والتعليم وغيرها من الخدمات الأساسية التي لا يستغني عنها الإنسان.
هذه كانت أحوال عمان قبل يوليو 1970م، هذه كانت معاناة الوطن والمواطن، فقد عانت عمان وعانى شعبها من ثالوث التخلف (الجهل والفقر والمرض) الذي شمل كل أرجاء البلاد من شمالها إلى جنوبها.
وفي عتمة هذا الليل الحالك بزغ في 23 يوليو 1970م فجر جديد، فجر الحرية، فجر الوحدة، فجر الكرامة، فجر النهضة المباركة، حينما قدر الله سبحانه وتعالى أن يحكم عمان حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، والذي أيقظ عمان من سباتها العميق. ويوم تسلمه زمام الحكم في 23 يوليو 1970م خاطب جلالته شعب عمان قائلا:
"أيها الشعب.. سأعمل بأسرع ما يمكن لِجَعْلِكُمْ تعيشون سُّعَدَاءِ لمستقبل أفضل وعلى كل واحد منكم المساعدة في هذا الواجب. كان وطننا في الماضي ذا شهرة وقوة. وإن عملنا باتحاد وتعاون،فسنعيد ماضينا مرة أخرى... كان بالأمس ظلام ولكن بعون الله غدا سيشرق الفجر على عمان وعلى أهلها،حفظنا الله وكلل مسعانا بالنجاح والتوفيق".
وقد وعد القائد وأوفى بوعده، فقام بتوحيد البلاد بعد أن عانت لعشرات السنين من الفرقة،فغير اسمها السابق "سلطنة مسقط وعمان " الذي كان يوحي بالانقسام وجعلها " سلطنة عمان"، وأعطى العملة الطابع الوطني لتصبح الريال العماني بعد أن كانت تعرف "الريال السعيدي"، وقام بمساعي حميدة من أجل المصالحة الوطنية، حيث زار قادة الإمامة في منفاهم بالسعودية عام 1971م وطلب منهم الرجوع إلى عمان للمشاركة في بناء الدولة الجديدة، كما دعى ثوار ظفار إلى التخلي عن السلاح مقابل العفو العام والنظر في مطالبهم، وهذا يدل على أن السلام والوحدة الوطنية هما من ركائز الفكر القابوسي منذ البداية.وبعد تحقيق النصر على التمرد في ظفار عام 1975م، أعلن جلالته بدأ الخطط الخمسية للتنمية، وبدأ من يومها التطوير الشامل في البلاد في شتى الميادين، فتحقق الرخاء والازدهار ونعم المواطن بالأمن والاستقرار.
أن انجازات السلطان قابوس عديدة ولا تحصى، ويكفي أنه استطاع خلال بضع سنين أن ينقل عمان من حياة القرون الوسطى إلى العصر الحديث، ولكن من أهم انجازات جلالته التي سيذكرها ويخلدها له التاريخ، أنه استطاع أن يوحد عمان كلها تحت سلطة مركزية واحدة، فلم يسبق أن توحدت عمان من أقصى مسندم شمالا إلى ضلكوت جنوبا بنفس الوحدة التي أصبحت عليها في عهد باني النهضة وموحد عمان جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم.
مراجع البحث:
فيليبس، ويندل، تاريخ عمان، ترجمة: محمد أمين عبد الله، ط5، وزارة التراث والثقافة بسلطنة عمان،المطبعة الشرقية،مسقط،2003م.
لاندن، روبرت جيران: عُمان منذ 1856 مسيراً ومصيراً، ترجمة محمد أمين عبد الله، المطبعة الشرقية، مطرح، وزارة التراث القومي والثقافة بسلطنة عمان، بدون تاريخ.
وزارة الإعلام بسلطنة عُمان: عُمان في التاريخ، دار أميل للنشر والتوزيع،لندن، 1995م.
وزارة الإعلام بسلطنة عمان، مسيرة الخير – الموجز من تاريخ عمان- إصدار–مطبعة مزون – 1995م.
وزارة التراث القومي والثقافة بسلطنة عُمان: حصاد ندوة الدّراسات، الجزء الثاني، القاهرة، آمون للتجليد والطباعة، 1980م.
نشرت في: المقتطف | السنة الأولى | العدد الثاني | يونيو 2009 ميلادية -1430 هجرية