جديد المقتطف

الاثنين، 27 يوليو 2015

أضواء على تاريخ مدينة حلوان في العصر الأموي

"حمامات حلوان الكبريتية"
بقلم: د. محمد جمال الشوربجي
مدينة حلوان واحده من أقدم المدن المصرية. كانت في الأصل مدينة فرعونية، وفيها وجد أول سد ماء في التاريخ بوادي حوف، ولكنها اندثرت عبر العصور إلي أن أحياها الأمير عبد العزيز بن مروان والي مصر سنة(65-85هـ/684-704م)، وبينها وبين الفسطاط نحو فرسخين([1]).

أضواء على تاريخ مدينة حلوان في العصر الأموي
(70-132هـ/689-749م)
عندما وقعت الفتنة بين الناس بعد وفاة معاوية بن يزيد أصبح هناك معسكرين معسكر الحجاز وعلي رأسه عبد الله بن الزبير ويحكم الحجاز والعراق، ومعسكر الشام وعلي رأسه مروان بن الحكم، وقد رأي مروان أن يدخل مصر في طاعته لتكون له عون ومأمن من الخلف عند حربه للأهل العراق، وبالفعل قاد مروان بنفسه جيش للسيطرة علي مصر سنة65هـ/684م وأدخلها في طاعته، وترك عليها ابنه عبد العزيز واليا عليها.
سبب إنشاء المدينة:
وقع الطاعون في الفسطاط سنة70هـ/689م فخرج عبد العزيز هربا منه إلي الصحراء حيث مكان مدينة حلوان ([2]) فاشتراه من القبط بعشرة ألاف درهم([3])، وتذكر المصادر أن سبب تعميرها وسكناها هو الهرب من الطاعون، ولكن يرجح أحد الباحثين أن عبد العزيز أراد أن يكون له مقر أخر غير الفسطاط علي عادة الأمويين، ومعروف أن معاوية ومروان كانا يشتيان في الصنبره علي شاطئ بحيرة طبرية، وكان يزيد بن معاوية يحب الإقامة في حوران وأذرعات، وذلك للاستجمام من متاعب الحكم والصيد والتنزه، وأحيانا فرارا من الأمراض([4]).
سبب تسمية المدينة:
أختار عبد العزيز اسم حلوان لهذه المدينة لأنها تشبه في موضعها ومزاياها موضع حلوان التي بعراق العجم( خراسان)، ومزاياها من وجوه أربعة ذكرها ياقوت في معجمه عند الكلام عن حلوان العراق، وأوجه الشبه هي:
- حلوان العراق حولها عدة عيون كبريتية ينتفع بها من عدة أمراض، وحلوان مصر بالقرب منها عدة عيون كبريتية ينتفع بها من عدة أمراض.
- حلوان العراق أكثر ثمارها التين والرمان، وهي كذلك كانت شهيرة بتينها وعنبها ونخيلها.
- حلوان العراق كانت واقعة على نهر هلوند أحد روافد نهر ديالا من روافد نهر دجلة، وحلوان هذه على نهر النيل.
- حلوان العراق كانت واقعة بالقرب من جبل بايطاق في بلاد العجم، وقد اندثرت ومحلها يعرف اليوم باسم"سربل" أي رأس الجسر، وحلوان هذه بالقرب من الجبل الشرقي بمصر([5]).
عمران المدينة:
اختار عبد العزيز المكان الذي أنشأ فيه حلوان لارتفاعه عن الفسطاط، وقربه منها، وحسن موقعه من النيل وجودة هوائه، نزل بموضع يقال له أبو قرقورة، وهو رأس العين التي احتفرها ذلك الأمير، وساقها إلي نخيله وحدائقه التي غرسها بالمدينة، وأنشأ بها دار الإمارة والمساجد والقصور والدور([6])، كما أنشأ بركه كبيرة في حلوان ساق إليها الماء من العيون القريبة من جبل المقطم علي قناطر معلقه تصل عيون الماء بالبركة ([7])، وبني عبد العزيز في سنة80هـ/699م مقياس للنيل صغير الذراع، وقد ظل العمل به حتى عهد أسامه بن زيد الذي اتخذ مقياس أخر([8])، وكان بحلوان معدية في النيل لنقل الخيل والجند وغير ذلك من البر الشرقي إلي البر الغربي([9]).
وكلف الأمير أهل اليسار من النصارى أن يبني كل منهم له دار بحلوان، كما كلف البطريرك أيساك أن يبني له فيها دار وكنيسة حتى يرغب باقي النصارى في التوطن بها، وبالفعل قام الأساقفة ببناء كنيستين أو أكثر بالمدينة، وقد عهد بعمارة هذه الكنائس والبيع الأسقف ريغوريوس أسقف القيس بالمنيا([10]).
إدارة المدينة:
لما نزل عبد العزيز بحلوان جعل عامله علي الفسطاط معاوية بن حديج وأمره أن يرسل إليه الأخبار أول بأول. كما اتخذ الحرس والشرطة وجعل علي رئاستهم جناب بن مرثد الرعيني([11])، فلما توفي سنة83هـ/702م عين مكانه عمرو بن كريب الرعيني، فلما توفي بعد توليته بأربع أيام تولي مكانه سعيد بن يعقوب المعافري([12]). كما نقل عبد العزيز بيت المال إلي حلوان، وكان المتولي لإدارته رجل نصراني يسمي أنيتاس([13]).
 وفي 13 جمادى الأولي سنة86هـ(705م) توفي عبد العزيز بحلوان حزينا علي ابنه الأصبغ الذي توفي قبله بستة عشر يوما([14])، فحمل إلي الفسطاط ودفن بها، وقد ظلت المدينة مزدهرة طوال العصر الأموي، ولكن ما أن انتهي العصر الأموي حتى أصابها الإهمال واندثرت إلي أن أعادها الخديوي إسماعيل في سنة1873م إلي رونقها الجميل التي كانت عليه في الماضي.

الهوامش:



([1]) ياقوت الحموي (شهاب الدين بن عبد الله الحموي ت: 626هـ/1228م): معجم البلدان، ج2، دار صادر، بيروت، 1977م، ص293.
([2]) السيوطي(جلال الدين عبد الرحمن بن محمد (ت:911هـ/1505م): حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، ج2، المكتبة التوفيقية، القاهرة، (د.ت)، ص11.
([3]) الذهبي(شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان ت: 748هـ/1347م): تاريخ الإسلام، ج5، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1997م، ص69.
([4]) سيدة إسماعيل الكاشف: عبد العزيز بن مروان، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2005م، ص187.
([5]) محمد بك رمزي: القاموس الجغرافي للبلاد المصرية، مج4، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2010م، ص13.
([6]) الكندي(عمر بن محمد بن يوسف): الولاة والقضاة، تحقيق: رفن كست، مطبعة الآباء اليسوعيين، بيروت، 1908م، ص49؛ ياقوت الحموي: معجم البلدان، ج2، ص293؛ المقريزي: الخطط، ج1، ص584.
([7]) سيدة الكاشف: عبد العزيز بن مروان، ص188.
([8]) البكري(عبد الله بن عبد العزيز ت:487هـ/1094م): المسالك والممالك، ج1، تحقيق:أدريان فان ليوفن، بيت الحكمة، قرطاج(تونس)، (د.ت)، ص842؛ ابن مماتي(الأسعد بن مماتي ت:606هـ/1209م): قوانين الدواوين، تحقيق: عزيز سوريال عطية، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 1991م.ص75.
([9]) المقريزي: الخطط، ج1، ص589.
([10]) يعقوب نخله: تاريخ الأمة القبطية، مطبعة متروبول، ط2، 2000م، ص65-66؛ سيدة الكاشف: عبد العزيز بن مروان، ص153.
([11]) الكندي: الولاة والقضاة، ص49.
([12]) المقريزي(تقي الدين أحمد بن علي ت: 845هـ/1442م): المقفي الكبير، ج3، تحقيق: محمد اليعلاوي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1991م، ص72؛ المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج1، تحقيق: محمد زينهم عزب، ومديحه الشرقاوي، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 1997م، ص584. وأيضا: سيدة الكاشف: عبد العزيز بن مروان، ص188.
([13]) يعقوب نخله: تاريخ الأمة القبطية، ص65.
([14]) الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج4، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، ومحمد نعيم، دار الرسالة، بيروت، ط1، 1983م، ص251.