جديد المقتطف

الجمعة، 31 يوليو 2015

نظرة جديدة على يعقوب (جيمس) صنوع

بقلم: د. آدم مشتيان
جامعــــة هارفارد
واحد من الشخصيات الشهيرة في تاريخ مصر الحديثة، هو المصري اليهودي يعقوب (جيمس) صنوع  James Sanua ١٨٣٩-١٩١٢) . هذا المقال يقدم بعض التفاصيل الجديدة وتفسيراً تاريخياً جديداً حول فرقته المسرحية العربية في عصر الخديوي إسماعيل.
المسرح العربي في الثقافة الخديوية (١٨٦٨-١٨٧٢)
نظرة جديدة على يعقوب (جيمس) صنوع
خلال عامي ٢٠٠١ و ٢٠٠٢ دار الجدل بين الباحثين الدكتور "سيد علي إسماعيل" والمرحوم الأستاذ الدكتور "محمد يوسف نجم" عن الريادة في المسرح المصري العربي وعن دور صنوع فيه. واعتقد إسماعيل أن كل التفاصيل عن مسرح صنوع ذكرها صنوع بنفسه. وقال أن المقالات والمذكرات التي كتبها صنوع "غير صحيحة" و"عدم وجود أية إشارة عن صنوع كرائد مسرحي مصري". ولم يقبل نجم هذا الرأي، لكن أدلته كانت ضعيفة. ومن الملاحظ عدم اطلاع أي منهما على كتاب "فليب سادغروف" عن (المسرح المصري في القرن التاسع عشر، الصادر عام 1996)، رغم أن هذه الدراسة تشتمل على أكثر وأكمل المعلومات حول هذه القضية وقتئذ .ولم يزل سيد إسماعيل يكرر رأيه ويحذف صنوع من تاريخ المسرح العربي حتى الآن. أما أنا  فنشرت دراستي عنه، وكانت باللغة الإنجليزية، وركزت فيها على السياق التاريخي و الاجتماعي للمسرح المصري في الفترة ١٨٦٨-١٨٧٢. وأتفق تماماً مع إسماعيل في أن مقالات ومذكرات صنوع غير موثوقة. ولهذا السبب أعود إلى المصادر المعاصرة لتلك الفترة. والتي خلصت منها أن مسرح صنوع كان واقعاً تاريخياً لكن في شكل يختلف عما ذكره صنوع نفسه.

وأعتقد أن هذه القضية قضيتان في الحقيقة. الأولى هي هل كانت هناك فرقة مثلت مسرحيات عربية في القاهرة بقيادة صنوع أم لا؟ والثانية هي تأويل وتقدير القيمة التاريخية لهذه الفرقة ومكانها في الذاكرة المصرية. وسوف أركز على القضية الأولى فقط في هذا المقال.
مسرح جيمس (١٨٧١-١٨٧٢):
بعد افتتاح المسارح الخديوية سنة ١٨٦٩، الكوميدي ودار الأوبرا، كان أول المثقفين المصريين الذين  أدركوا العلاقة بين المسرح "التياترو" أو "تياطرو" كما سماها والفكرة الوطنية هو "محمد أنسي أفندي" أستاذ اللغة العربية والصحفي المصري. كذلك كتب أبو السعود أفندي في فبراير ١٨٧٠ في مجلة "وادي النيل" الأدبية، بعد مشاهدة عرض "سميراميس" في دار الأوبرا: "يا ليت يحصل التوفيق لتعريب مثل هذه التأليفات الأدبية وابتداع اللعب بها في التياترات المصرية باللغة العربية حتى ينتشر ذوقها بين الطوائف الأهلية". (وادي النيل ،عدد ٥٥، ٢٧ ذو القعدة ١٢٨٦). وفي تلك السنة أراد بعض الشبان المصريين أن يمثلوا مسرحية إيطالية باللغة العربية في القاهرة في بيت عائلة قطاوي ولكن لم يكملوها. والتفاصيل حول هذه التجربة توجد في التقرير السري الذي كتب لشرطة الخديو إسماعيل في ٢٧ يناير ١٨٧١ (والمحفوظ بدار الوثائق القومية بالقاهرة تحت رقم 5013-003022)..
وفي (١٨٧٠-١٨٧١) كان بعض المثقفين المصريين منهم إبراهيم المويلحي، محمد عثمان جلال، أبو السعود أفندي، وعلي باشا مبارك يركزون على تعريب المسرحيات (بعضهم بأمر الخديو). ولكن لم يكن تكوين فرقة مسرحية مصرية حديثة مشروعا لهؤلاء المثقفين. ولكن على رغم من قلة المصادر التاريخية الموجودة، يمكننا أن نكتشف دلائل قاطعة على وجود فرقة مثلت باللغة العربية في (١٨٧١ - ١٨٧٢)..
وقد مثلت هذه الفرقة المسرحية (تياترو) باللغة العربية لأول مرة أمام الجمهور في ٨ يوليو ١٨٧١ في القاهرة، وقد ذكرت جريدة الجوائب في ٩ يوليو ١٨٧١ أنه ”أنشئ فيها [في مدينة القاهرة] تياتروينشد فيه الألعاب العربية [المسرحيات] [...] انتخب له رواية يقال لها القواس ألفها أحد الإنكليز. (الجوائب، ١٦ أغسطس ١٨٧١)،  ثم نشرت "الجوائب" خبرا من مجلة "وادي النيل" عن الفرقة وهم يمثلون في قصر النيل بين يدي الخديو إسماعيل في ٢٧ يوليو. وابتدأ التمثيل بـ "القطع الصغيرة السهلة تأليف الخواجة جمس" وبعدها "قطعتين أدبيتين"، أحدهما "البخيل" والأخرى "الجواحرجي" (الجوائب، ٢٧ اوغوست ١٨٧١) ثم نشرت الجريدة الفرنسية  L‘Égypte خبراً عن الفرقة ونجاح مسرحياتها العربية في أكتوبر ١٨٧١ وأيضا في يناير ١٨٧٢، وأخبر الجمهور أن الفرقة  أخذت امتيازاً في "التياترو الفرنسي" (الكوميدي) لتمثيل مرتين في الاسبوع فيها.
وأخبرتنا جريدة "الجوائب" في مارس ١٨٧٢ أن افتتاح "التياطرو العربي الكائن بالأزبكية" قريباً و"قد أعطى إنعام من حضرة الخديو المعظم لرجل من الإنكليز اسمه مستر جميس ليتولى ترتيبه وتنظيمه فيقال أنه حكايات مضحكة ترجمت الى العربية"، وكان اليوم المعين لافتتاح المسرح العربي ١ صفر ١٢٨٩ (١٠ أبريل ١٨٧٢) (الجوائب، ٢٨ مارس ١٨٧٢). ثم مثلت هذه الفرقة "تمثيلية عربية" بالمسرح الكوميدي في ٢٢ صفر (١ مايو ١٨٧٢) (الجوائب، ١١ ابريل ١٨٧٢)، كما نشرت "الجوائب" ترجمة مختصرة من مقال منشور في L‘Égypte في عدد ١١ مايو ١٨٧٢، وذكرت أنه "اثنى فيها مستر جامس سنوا مدير التياطرو العربي الثناء الجميل [...] الموما إليه أنشأ خمس روايات وقعت عند جميع الناس موقع الاستحسان" (الجوائب، ٢٩ مايو ١٨٧٢)..
وبالإضافة إلى ذلك وجد إعلان في "الوقائع المصرية" في مايو ١٨٧٢ يذكر طباعة مسرحية "ليلى" التي ألفها محمد أفندي عبد الفتاح. وقد اعتبر المؤلف المسرح (التياترو) إشارة التمدن وذكر أن "التياترو العربي الجاري مجراه في حديقة الأزبكية" (الوقائع المصرية، ٧ مايو ١٨٧٢). وأثنى محمد أفندي عبد الفتاح في مقدمة مسرحيته  على صديقه "الرئيس جمس المعتبر الذي صنف من أعظم هذا الفن ما يزيد على اثنا عشر". ومثلت الفرقة العربية هذه اللعبة "ليلى"  في حديقة الأزبكية بقيادة "م. جمس". وهذا الخبر الآخر من الجرائد المعاصرة وقتذاك.
وتدل هذه الأخبار على وجود فرقة مثلت مسرحيات عربية تحت رئاسة "مستر جمس"  أو "مستر جامس سنوا" ، واحد انجليزي في القاهرة في الفترة من (يوليو ١٨٧١ - يوليو ١٨٧٢).
"مستر جمس" و"يعقوب صنوع":
من هو  "مستر جمس"  أو "مستر جامس سنوا" الذي كتب مسرحيات عربية أو ترجمها إلى اللغة العربية؟ هل كان انكليزياً  حقيقيا كما اعتبرته الجرائد العربية في تلك الفترة؟ وهل هذا يعني أن رجلاً انكليزيا هو رائد المسرح العربي الحديث في مصر؟
عن نفسي أعتقد أن "مستر جمس" هو يعقوب صنوع لأنه استخدم اسما انكليزيا "جيمس" بدلاً من اسمه "يعقوب" وقتئذ.
واستخدم صنوع اسم "James جيمس" في كل كتاباته المعروفة المنشورة بين السنوات ١٨٦٨- ١٨٧٨. كما استخدم "جيمس"  في شهادته الماسونية في عام ١٨٦٨ وألفJames Sanua ديوانه الشعر الإيطالي عام ١٨٦٩ وفي ذات السنة ذكره صديقه عبد الفتاح المصري بالاسم "جمس سانو" في كتابه العربي "تحفة أولى الألباب في مجاليس الأحباب". ثم ذكرت جريدة "الجوائب" "مستر جامس سنوا" في عام ١٨٧٢ كما رأينا. ونشر James Sanua مسرحياته  باللغة الإيطالية في ١٨٧٥ و ١٨٧٦. وأيضاً سمته  عائلته "جيمس" حتى وفاته. استخدم اللقب "أبو نظارة" فقط بعد السنة ١٨٧٧ في جرائده ورسائله .أما الإسم "يعقوب" فاستخدمه فقط في مسرحيته العربية الوحيدة اللذي طبعت في السنة الأخيرة من حياته 1912..
كل هذا يدل على أن "يعقوب صنوع" كان معروفاً كـ James  جيمس في القاهرة في الفترة (١٨٦٨-١٨٧٧). ولما ذكرت جريدة "الجوائب"  "مستر جامس سنوا" (مترجماً من اللغة الفرنسية) رئيس الفرقة العربية لا شك أن هذا الشخص كان جيمس (يعقوب) صنوع.
إنجليزي أم لا؟
كان البعض يعتبر صنوع شخصا إنجليزيا لعدة أسباب، كان أهمها أنه استخدم اسم "جيمس" الإنجليزي في معظم أعماله. والسبب الأهم – والذي يمكنه إيصالنا إلى النتيجة – وهو أنه لم يكن معروفاً بين المثقفين المصريين (باستثناء صديقه عبد الفتاح) على الرغم مما ذكره في مذكراته..
كانت كل منشورات صنوع مطبوعة  باللغة الايطالية في الفترة المبينة. ومن الممكن أنه لم يطبع آثاره العربية حتى سنة ١٨٧٨ عندما نشر جريدته "أبو نظارة". ومن الممكن أيضاً أنه كان من الرعايا الإيطاليين رسمياً لأن أباه كان إيطالياً. وعلى الرغم من استخدامه الاسم الانجليزي "جيمس" إلا أن لغته الأدبية المكتوبة إيطالية، وفي مسرحه كانت اللهجة المصرية العربية (غير مكتوبة). ولا شك أن الصحفيين العرب ظنوه إنجليزياً لما قرأوا اسمه الانجليزي في الجرائد الفرنسية و الإيطالية.

الجوائب - 29 مايو 1872
خاتمـــة:
خلاصة القول أنه كانت توجد فرقة في القاهرة تمثل المسرحيات العربية باللغة العامية تحت رئاسة جيمس صنوع (م. جميس) الذي استخدم اللغة الإيطالية كلغته المكتوبة الأدبية في الفترة (١٨٦٧-١٨٧٦)، واستخدم اللغة العربية العامية في مسرحياته. إذا، لا يوجد شك حول حقيقة هذه الفرقة ومؤسسها في الفترة (١٨٧١-١٨٧٢)..
ويمكننا أن نسأل: لماذا فشلت الفرقة العربية تحت رئاسة "مستر جمس"؟ ولماذا لا توجد أي إشارة باللغة العربية - باستثناء عبد الفتاح والجرائد - عن الفرقة ولماذا لا توجد أي مذكرات عربية عنها؟ ويمكننا الإجابة عن ذلك بأن الخديوي لم يدعم الفرقة، ولم يكن إيراد التذاكر يكفي للدعاية عنها ولم يمتلك صنوع الرأسمال الذي يمكنه من تثبيت الفرقة. وكان الدعم الذاتي غير الحكومي نادر. أما غياب صنوع وفرقته من الذاكرة الاجتماعية المصرية فهي قضية مهمة لأن من خلالها يمكننا اكتشاف مشروع بناء الأدب الوطني والوطن الأدبي.
وعلى الرغم مما ذكره صنوع في مذكراته، فقد شاهد عدد قليل عروض الفرقة خلال تلك الفترة القصيرة. ولم يعد صنوع للمسرح العربي أبداً  بعد سنة ١٨٧٢، فقد نفي من مصر بعد نشره  جريدته "أبو نظارة" عام ١٨٧٨. ومن الممكن أن المثقفين المصريين، من أمثال محمد أنسي، ابراهيم المويلحي، محمد عثمان جلال، أبو السعود أفندي، وعلي باشا مبارك لم يفضلوا المسرح العربي باللغة العامية. ودليل ذلك - كما أكد سادغروف - أن محمد أنسي طلب من الخديو الدعم لمسرح وطني مصري وفرقة تمثل باللغة العربية الفصحى في ربيع عام ١٨٧٢. كذلك إبراهيم المويلحي لم يقبل صنوع كمصري حتى سنة ١٨٩٦ (المقطم، ١٩  يوليو ١٨٩٦) وكل هذا يدل على أن بعض المثقفين المصريين لم يقبل فرقة صنوع كمشروع مناسب لثقافة الخديوية أو للدولة المصرية الحديثة. وكان صنوع مقطوعاً من الأدب العربي المصري ولم تؤثر فرقته على الأدب المصري فيما بعد. وبالإضافة إلى ذلك؛ فتحت فرق الشوام المسرح المصري من سنة ١٨٧٦ وكان تأثيرها عظيماً وأسست التقاليد المسرحية المصرية الشامية العربية. ونتج عن كل هذه الحقائق غياب صنوع وفرقته عن الذاكرة الاجتماعية الأدبية المصرية لفترات طويلة..
ومن هنا يبدأ عمل تأويل وتقدير للقيمة التاريخية لهذه الفرقة ومكانها في الذاكرة المصرية والعربية إلى يومنا هذا. هل كانت الفرقة الأولى التي مثلت مسرحيات باللغة العربية في مصر ورئيسها جيمس صنوع رائداً للمسرح المصري العربي؟ أم أن هذا مشروع خارجاً عن الذاكرة الوطنية المعاصرة وليس له أي أهمية؟ ورأينا الشخصي أن الجواب يجب أن يصلنا من جهود الباحثين والمؤرخين المصريين فقط. فلهم حق ومسئولية كتابة التاريخ المصري، نظراً لكونهم حراسا للذاكرة الوطنية المصرية.

المصادر:
سيد علي إسماعيل، محاكمة مسرح يعقوب صنوع (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ٢٠٠١)..
سيد علي إسماعيل، "تهويد المسرح العربي" ، الجمهورية، ٣١ أكتوبر ٢٠١٠.
يعقوب صنوع ، موليير مصر وما يقاسيه (بيروت: المطبعة الأدبية، ١٩١٢).
محمد عبد الفتاح المصري، نزهة الأدب فى شجاعة العرب: المبهجة للأعين الزكية فى حديقة الأزبكية، ط2 (بيروت: دار الصادر، ٢٠٠٢).
محمد يوسف نجم، المسرحية في الأدب العربي الحديث ١٨٤٧-١٩١٤ (بيروت: دار الثقافة، ١٩٨٥).
Eliane Ursula Ettmüller, The Construct of Egypt’s Nation-Self in James Sanua’s Early Satire and Caricature (Berlin: Klaus Schwarz Verlag, 2012).
Adam Mestyan, “Arabic Theatre in Early Khedivial Culture, 1868-1872: James Sanua Revisited,” International Journal of Middle East Studies, 46, n. 1 (February, 2014): 117-133.
Shmuel Moreh, “New Light on Ya_qub Sanua’s Life and Editorial Work through His Paris Archiv,” in Writer, Culture, Text: Studies in Modern Arabic Literature, ed. Ami Elad (Fredericton: York Press, 1993), 101–15.
James Sanua, L’arabo anziano (Cairo: Nouva Tipografia di P. Cumbo, 1869.
Philip Sadgrove, The Egyptian Theatre in the Nineteenth Century (1996, AUC: Cairo, 2007.
  Philip Sadgrove, ’Leyla - The First Egyptian Tragedy‘ , Osmanlı Arastırmaları  7-8, (1988) : 161-76.

Jeanette Tagher, “Les débuts du théâtre modern en Égypte,” Cahiers d’Histoire Égyptienne, 1/ 2, (1948): 192-207.