بقلم: إلهام جبر شمالي
باحثة من قطاع غزة – دولة فلسطين
يعد التهويد الثقافي الذي يمارس بحق مدينة القدس ومقدستها الإسلامية
والمسيحية، من اخطر أنواع التهويد الاستيطاني لتغيير هوية القدس، الذي يتم وفق خطة
تهويد مبرجمة تاريخياً، وجغرافياً، وثقافيا واجتماعياً واقتصادياً، وديموغرافياً،
أي أن سياسة التهويد تشمل كافة مناحي الحياة، فالهدف منها تغيب العقلي العربي
المسلم والمسيحي، وإعادة صياغته بما يخدم المشروع الصهيوني، لتأكيد الرواية
الصهيونية الرامية إلى فرض أمر واقعي لهم في فلسطين.
وقد تعرضت المؤسسات الثقافية والتربوية في القدس، كشأن باقي القطاعات
للعدوان والهمجية الإسرائيلية نتيجة الحرب التي شنتها على القدس وبقية الأراضي
الفلسطينية 1967، وحرص الاحتلال على توجيه الضربات المتلاحقة إلى المواقع التي
يتنامى فيها العقل ويتطور، أي المؤسسات الثقافية والتعليمية في القدس خاصة وفي
فلسطين عامة.
الإجماع إسرائيلي" صهيوني" على
تهويد القدس:
لقد أدرك قادة الحركة الصهيونية بأن صراعهم
في فلسطين هو صراع ديني ثقافي حضاري، وأنه لا يمكنهم تهويد فلسطين والقدس على وجه
الخصوص، قبل تهويد الثقافة، وتزييف الوعي لدى الأجيال، وطمس كل الآثار والمعالم
التي تدل على عروبة القدس وإسلاميتها؛ لذا نجد هرتسل يشير في المؤتمر الصهيوني
الأول الذي عقد عام 1897، وقبل قيام دولتهم بخمسين عاماً" إذا حصلنا على
مدينة القدس، وكنت لا أزال حياً وقادرا على القيام بأي عمل فسوف أزيل كل شيء ليس
مقدساً لدى اليهود فيها وسوف احرق جميع الآثار التي مرت عليها القرون".
كما أن المتتبع لتصريحات الزعماء الصهاينة والحاخامات
اليهود، منذ احتلال مدينة القدس عام 1967، يجد أن هناك إجماع "قومي" وعقائدي
وحزبي، وحكومي وحتى شعبي في المجتمع الإسرائيلي، يؤكد إصرارهم وسعيهم الحثيث
والمحموم لبناء الهيكل الثالث المزعوم ومن ذلك:
1- دافيد بن
غوريون أول رئيس وزراء للاحتلال أشار "بدون التفوق الروحي لم يكن شعبنا
ليستطيع البقاء ألفي سنة في الشتات، وأن لا معنى لإسرائيل بدون القدس، ولا معنى
للقدس من غير الهيكل"، وبعد احتلال القدس1967 "إن شعبي الذي يقف على أعتاب
المعبد "الهيكل" الثالث، لا يمكن أن يتحلى بالصبر على النحو الذي كان أجداده
يتحلون به".
2- موشيه
ديان صرح في اليوم الثاني لحرب أكتوبر 1973 "ربما كنا نفتقد البيت الثالث"
أي الهيكل الثالث".
3- نتاياهو-رئيس
الحكومة الاسرائيلية- قدم هدية إلى رئيس الكنيسة اليونانية المطران مكسيموس سلوم
عام 1996مـ، عبارة عن مجسم من الفضة للقدس القديمة، لا يظهر فيه المسجد الأقصى
نهائيا بل استبدل مكانه برسم مجسم "للهيكل".
4- موشي بيلد
مدير وزارة المعارف في مؤتمر عقد عام 17/9/1998 ضم آلاف الصهاينة قال: "ادعوكم
إلى مواصلة نشر قيم الهيكل، وقيم التراث والثقافة اليهودية بين الشباب الإسرائيلي
في كافة مراحل التعليم.. إن الهيكل قلب الشعب اليهودي وروحه".
5- وزير
العدل السابق يوسي بيلين في مؤتمر بحضور فلسطيني في عام 2000 ، أصر على "تسمية
الحرم القدسي بجبل "الهيكل"، الذي اعتبره أقدس الأماكن بالنسبة إلى
اليهود، وأقدس من حائط المبكى؛ لذلك فلابد من منفذ غير مقيد به.
6- أيهود
بارك عام2000 "لا ينوى التوقيع على وثيقة تنص على نقل السيادة الحرم القدسي
الذي اعتبره" قلب هويتنا "إلى الفلسطينيين".
حتى اليسار الإسرائيلي، الذين يقدمون أنفسهم للعرب كدعاة سلام، يشككون
في حق المسلمين في المسجد الأقصى، فهذا أحد دعاة حركة السلام ورئيس اتحاد الكتاب الإسرائيلي،
فقد دعا لتشكيل رابطة تضم مفكرين وأدباء، وصحافيين، وجنرالات متقاعدين، وفنانين، وأكاديميين؛
للمطالبة الحكومة بوقف أي أنشطة لدائرة الأوقاف الإسلامية داخل المسجد الأقصى، على
اعتبار أن ذلك يهد الآثار اليهودية، التي تدعم مزاعم اليهود بأن المكان يضم أثار
الهيكل المدمر.
كما أن الحاخامات أشاروا حول بناء الهيكل المزعوم، بأنه يحرم التفاوض
حول الحرم القدسي، وتدرس عدة مقترحات لإقامة كنيس يهودي، واعتبروا مجرد قبول
التفاوض حول الحرم هو إثم، وان هناك حظراً شرعياً مطلقاً على تسليم الحرم للأجانب
في إطار سيادة أو أي ملكية أخرى مباشرة أو غير مباشرة، فالحاخام زلمان مليمد رئيس
الحاخامات الإسرائيلية في المستوطنات في احد المؤتمرات بالقدس يشير "إن إسرائيل لا قيمة لوجودها
دون الحرم القدسي... ويخطأ من يظن من اجل سلامة حائط المبكى وليس للحرم
القدسي".
كما أن زعيم منظمة أمناء جبل الهيكل جرشون
سلمون يقول :"إن أحداً لا يستطيع أن يتصور حياة اليهود دون الهيكل، ولا بد من
إقامة الهيكل، ولا احد يستطيع أن يمنعنا، ولا العرب لأنها إرادة الله والتاريخ
" معتبراً الطقوس التي تؤدى أمام حائط تعتبر بديلا بائساً.
في تصريح لأحمد قريع أشار فيه أن الإسرائيليين تحدثوا في كامب ديفيد عن ما هو تحت الأقصى باعتباره ملكاً لهم، وعن إعطائنا وصاية عليه فقط، وأنهم يدعون أنهم سوف يهدمون المسجد الأقصى وان الإدارة الأمريكية تبنت تلك الأطروحات الإسرائيلية.
وبذلك يمكن القول أن الدائرة التآمرية الصهيونية اكتملت ما بين موقف رسمي
وغطاء دولي رسمي وتنظيم محلي يعملون جميعا بلا كلل لهدم المسجد الأقصى وبناء
الهيكل على أنقاضه.
الدعاوي الصهيونية بحق اليهود في القدس:
استند العديد من المفكرين الصهاينة قديماً وحديثاً على عدة دعاوي حول
أحقية اليهود بمدينة القدس على الرغم من علمه بأن ذلك مجافي للحقيقة ومن تلك الادعاءات.
1- ادعى
اليهود في كتاباتهم أن القدس داخل السور (المركز التقليدي للمدينة) إنما يمثل
مدينة داوود – التي احتلها سنة 993 ق.م بعد 480 عام من خروجهم من مصر، وغير اسمها
لمدينة داود- ولكن إن صدقت مزاعمهم الكتابية، هم بذلك غزاة ومحتلون؛ لان يبوس كما
تأكد مصادرهم الكتابية هي مدينة كنعانية كانت قائمة قبلهم فهم لم ينشئوها أساساً-
كما أن المؤرخ هيرودوت لم يذكر اليهود في كتابه الموسوم بتاريخ هيرودوت؛ وهم
بزعمهم ذاك يهدفون لفرض الحضور اليهودي المعماري؛ ولإيجاد الحوض الديني المقدس،
وبناء الهيكل في مكان مسجد قبة الصخرة، فالسعي اليهودي لاعتبار أن مكان الصخرة
المشرفة إنما هو مكان الهيكل المزعوم، يقصد منه أولاً وأخيراً هدم مسجد قبة
الصخرة، والعمل على إزالة كامل مباني المسجد الأقصى، وما يحتوي من القبور الموجودة
داخل سور المسجد، وإزالة جميع الكنائس والمنشآت القائمة على جبل الزيتون وشرقا حتى
البحر الميت.
2- الادعاء
بأن حائط البراق، هو جزء من الحائط الغربي لهيكلهم المزعوم، فأحاطوا الحائط بهالة
من القداسة قائمة على عدة أساطير والافتراءات التاريخية– بدأت بتقديم القرابين ثم
تحولت لعمل تجاري يحتكره الكهنة- رغم أن
العلاقة بين اليهود وحائط البراق، لم تبدأ سوى بشكل فردي في القرن التاسع عشر؛
وبقي على ذلك حتى سنة 1840م، حيث بدأت تظهر تجمعات يهودية بصورة شبه منتظمة عصر
أيام الجمع "بداية السبت اليهودي" ثم أيام الأعياد، فأيام الأسبوع،
ليتحول فيما بعد لحائط مقدس عند بعض المتدينين استنادا لمجموعة من الأساطير، تمخض
ابتزاز ديني لتحقيق أطماع استيطانية، وفرض وجود مادي عمراني احدث خلل في التخطيط
العمراني للمركز التقليدي؛ تمثل بهدم حارة المغاربة وحارة الشرف، وجوارهما وإنشاء
ما يسمى بالحي اليهودي، وبذلك تم تغيير معالم المنطقة المجاورة للحائط بهدم الطريق
المؤدي إلى باب المغاربة ومبنى الزاوية، وقد نجحوا في إنشاء فضاء حضري حقق حضورا
عمرانيا لهم مقابل الحائط.
3- قبر داود
عبارة عن مبنى قديم يقع خارج السور على هضبة صهيون جنوب غرب المركز التقليدي،ـ
ادعى الصهاينة حقهم فيه، فالجزء العلوي منه كان تحت سيطرة الرهبان الكاثوليك،
والجزء السفلي مع المسلمين حتى كان احتلاله عام 1948 – والذي فصل النزاع السلطان
المملوكي جمقمق سنة1438م، وقسم المكان إلى قسمين بين المسحيين والمسلمين- وحول إلى
معلم معماري يهودي وضع به نموذجا للهيكل المزعوم، وأصبح منذ ذلك التاريخ موضع نزاع
بين الكنسية الكاثوليكية، والحكومة الايطالية من ناحية، وبين الكيان الصهيوني من
ناحية أخرى، وأقدمت إسرائيل على بناء كنيسا يهودياً عرف "هحوربا" والمعروف بكنيس الخراب، أقيم على ارض وقفية
اقتطعت من ارض المسجد العمري المحاذي للكنيس، وتم تصميم الكنيس بقبة كبيرة ؛ وذلك
لاستنبات أبنية يهودية في القدس، وجعله منافساً للمسجد قبة الصخرة وكنيسة القيامة
ضمن مشروع شامل لتهويد مدينة القدس.
كما أقيم كنيس أخر على وقف حمام العين الإسلامي، والذي لا يبعد سوى
خمسين متراً عن المسجد الأقصى في قلب الحي الإسلامي ويزور الكنيس يومياً مئات
المستوطنين الصهاينة والسياح.
وهناك العديد من الحقائق التي سعى الصهاينة إلى تزييفها لخدمة الأهداف
الصهيونية وإيجاد تاريخ مصطنع لهم على أرض فلسطين التاريخية.