جديد المقتطف

Post Top Ad

الثلاثاء، 13 ديسمبر 2016

رواية تاريخية مختصرة لكتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار للمقريزي

بقلم: د. أحمد يحيى العامر

بعد دراسة كتاب نزهة الأمم في العجائب والحكم[1] لابن إياس[2]، وجدنا تشابهاً كبيراً جداً بينه وبين كتاب الخطط للمقريزي، وبدا لنا هذا الكتاب وكأنه نسخة مصغرة عن الخطط، لذلك قررنا القيام بمقارنة بين نزهة الأمم في العجائب والحكم مع كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار[3] للمقريزي، تتيح لنا هذه المقارنة معرفة طريقة ابن إياس بنقل المعلومات من المصادر وطريقته في ذكر هذه المصادر، ومعرفة مدى صحة اعتماد ابن إياس على مصادر متعددة كما ذكر في مقدمة كتابه، ومعرفة أهمية وقيمة المعلومات المقدمة في هذا الكتاب، بالإضافة إلى أن هذه المقارنة تسلط الضوء بشكل ٍدقيق على طريقة من طرق المؤرخين في النقل من المصادر، وطريقة التصريح عن هذه المصادر.
الملاحظ أننا لا نكاد نجد جديد في هذه المناهج التي اتبعها مؤرخو العصر المملوكي في تدوين التاريخ، فقد تشابهت أشكال التدوين وطرقه، وسلك المؤرخون الدروب التي سار عليها أسلافهم دون تجديد كبير، سواء في جمع المصادر أو حتى  طرائق العمل والتنظيم للمعلومات، أو في الأساليب الأدبية للكتابة، وكان المؤرخون يدمجون روايات السابقين أو يلخصونها أو يعيدون كتابتها على ضوء ما يقع لهم من المصادر.
قامت أصول النقل عند المؤرخين الأوائل على أربعة أساليب وهي:
- النقل حرفيا.
- النقل بإيجاز: (مع استعمال أكثر الألفاظ الخاصة بالمؤلف المنقول عنه).
- النقل بالحذف: (أي حذف ما يراه الناقل قليل الأهمية أو عديم الأهمية بحسب اجتهاد الناقل).
- النقل بالربط، أي بالإضافة بالتعليق على الخبر أو تكملته.
اختلف المؤرخون المسلمون في الإشارة إلى المصادر التي ينقلون معلوماتهم عنها، أو عدم الإشارة إليها.
إذا اطلعنا على مؤلفات المؤرخين خلال القرن التاسع الهجري وأوائل القرن العاشر أمثال المقريزي وابن حجر والعيني وابن الصيرفي والسخاوي وعبد الباسط بن خليل الحنفي وابن تغري بردي، نجد أن هؤلاء جميعا وغيرهم يشتركون في ظاهرة النقل من المؤلفات السابقة، سواء ذكروا أسماء من ينقلون عنهم أو اكتفوا بلفظة (قيل) أو (روى) أو (أشيع). وقد يعلق أحدهم على ما ينقل أو لا يعلق، ولم يكن عدم الإشارة إلى ذلك عيباً كبيراً في الكتاب آنذاك، وقد لاحظنا وجود الكثير من كبار المؤرخين لم يذكروا القسم الأكبر من مصادرهم مثل ابن الجوزي في المنتظم، وابن الأثير في الكامل في التاريخ، وبدر الدين العيني في عقد الجمان وغيرهم، ولاحظنا أيضاً عدم ذكر المصادر نهائيا عند طائفة المؤرخين من أهل الثقة، كالمنذري في كتابه التكملة، وفي الوقت نفسه وجدنا طائفة أخرى عنيت بذكر مصادرها، ولكنها تفاوتت في ذلك أيضاً، حيث قسم منهم يذكر موارده بصورة دقيقة، بينما كان القسم الآخر يذكر موارده تارة ويغفلها تارة أخرى[4]، أما ابن إياس فكان قليلاً ما يذكر مصادره، ويدل على ذلك ما قمنا به من إحصاءات للمصادر في كتابه بدائع الزهور في وقائع الدهور في الفترة المملوكية، قمنا بمقارنة نزهة الأمم مع خطط المقريزي كلمة بكلمة، وأحصينا كل الفوارق حتى البسيطة منها، لكن التزاماً بقواعد النشر في المجلة واحتراماً للحيز المكاني المسموح به، سنقدم هنا فقط النتيجة التي توصلنا إليها بعد المقارنة وفي المقال الثاني سنعرض النقاط التي تبين منهج ابن اياس في صناعة الرواية التاريخية في كتابه نزهة الأمم في العجائب والحكم.

النتيجة:
إن كل كتاب نزهة الأمم في العجائب والحكم مأخوذ من كتاب الخطط للمقريزي بنفس صياغة الجمل وبنفس العبارات مع ندرة في الاختلافات البسيطة، لكن يجب التذكير أننا وجدنا فقط بعض الإضافات التي لا تتجاوز إحدى وثلاثين سطراً موجودة في كتاب نزهة الأمم، وغير موجودة في الخطط بالإضافة إلى واحد وسبعين ومئتين بيت من الشعر، لكن ابن اياس لم يتبع طريقة الأخذ الكامل من كتاب الخطط، إنما حاول أن يأخذ ملخصاً عن كل فقرة، فأحيانا يطول هذا الملخص أو يقصره، لكن مع المحافظة التامة على العبارات والجمل والصياغة الموجودة في الخطط، مما لا يترك أدنى شك أن ابن اياس قام بالاعتماد على الخطط كمرجع وحيد لكتابه، وهذا ما ينافي قوله في أول كتابه من أنه طالع كتب الأمم الماضية ورأى ما فيها من العجائب، واستخار الله أن يؤلف كتاب يجمع فيه أغرب ما سمع وما رأى[5]. وقد حاولنا من خلال ما قدمناه أن نبين الفروق أو الاختلافات البسيطة التي وجدناها بين الكتابين، والزيادات التي أضافها ابن إياس في كتاب النزهة، سواء أكانت أشعاراً أو جملاً وهذا التغيير الذي قام به ابن إياس يجعلنا نفسره بإحدى الاحتمالين:
الأول: محاولة من ابن إياس لإخفاء حقيقة اعتماده على المقريزي بشكل كامل، وإخفاء نسخة لهذا الكتاب لأن ذلك ينقص من مكانة كتابه، وربما يدعم ذلك ما قام به ابن إياس من محاولة لإخفاء صيغة المتكلم عند المقريزي من خلال حذف الكلام الذي قاله المقريزي على اعتبار أنه (المقريزي) كان شاهد عيان لبعض الأحداث، أو الإشارة أحياناً قليلة إلى اسم المقريزي بأنه شاهد كذا أو سمع كذا، وأيضا محاولته وضع عناوين رئيسية لبعض الفقرات التي هي بالأصل عناوين فرعية عند المقريزي، أو محاولة إضافة كلمة (يسيرة) (على سبيل الاختصار)، أو غيرها من الكلمات التي بنفس المعنى في محاولة منه للبقاء ضمن الهدف الأساسي الذي وضعه لنفسه في مقدمة كتابه نزهة الأمم[6]، وأحياناً نرى محاولة لدمج عناوين فقرتين عند المقريزي بعنوان واحد تحت فقرة واحدة، أو ترك الكلام عن بعض العناوين دون أي إشارة إليها.
لكن إذا حاولنا أن نفسر أو نبحث عن السر في وجود إحدى وثلاثين سطراً و واحد وسبعون ومئتان بيت من الشعر موجودة عند ابن اياس، وغير موجودة عند المقريزي فهذا يقودنا إلى طرح الفرضية الثانية التي تقول:
أن ابن إياس قد أخذ من نسخة أخرى من كتاب الخطط غير النسخة التي وصلت لأيدي محقق كتاب الخطط الذي بين أيدينا، وربما تكون نسخة أصلية كتبها المقريزي بيده ويدعم هذه النظرية إضافة ابن اياس بضعة أبيات من قصيدة للمقريزي نفسه غير موجودة في الخطط [7].
أما إذا لم تصح هذه النظرية القائلة أن ابن إياس أخذ من نسخة أخرى للخطط، فإننا نستطيع أن نفسر الإضافات الموجودة في  نزهة الأمم  بما يلي:
 بالنسبة للأسطر نستطيع أن نفسرها بأنها موجز لبعض الأسطر من الخطط صاغها ابن اياس بطريقته، أما بالنسبة لأبيات الشعر نفسرها بحب ابن اياس للشعر وميوله الأدبية، ويشهد على ذلك غزارة كتابه بدائع الزهور بالشعر مما يدل على تذوقه للشعر ومتابعته لآخر الانتاجات الأدبية في عصره[8]، فهذا يدعم بشكل قوي أن الإضافات الشعرية في النزهة كانت بجهد ذاتي من ابن اياس دون الاعتماد على المقريزي بشكل أساسي في ذلك، ومع ذلك لا يوجد مكانة كبيرة لهذا الكتاب مع وجود كتاب الخطط، ويبقى السؤال هل أراد ابن إياس كتابة كتابه لنفسه؟ أم أنه فقط اتبع أسلوب من الأساليب المتبعة في النقل من المصادر دون أن يرى في ذلك أي إحراج؟

الهوامش:

[1] كتاب (نزهة الأمم في العجائب والحِكَم ) ويتناول تاريخ العالم؛ وهو غير معروف كثيراً، ومنه نسخة نقلت عن خط المؤلف سنة 901 مخطوطة في آيا صوفيا رقم 3500 في 280 ورقة ومصورة في المكتبة المركزية في جامعة القاهرة تحت رقم (22963). وقام محمد عزب زينهم بتحقيق هذه المخطوطة ونشرها. يقول ناسخ هذه النسخة انه أخذ من خط المؤرخ ابن اياس وأنهى نسخها في العشرين من ذي الحجة سنة احد وتسعمائة من الهجرة.
[2]  ابن اياس :نزهة الأمم في العجائب والحكم . تحقيق : محمد زينهم محمد عزب . مكتبة مدبولي , القاهرة, ص 282.
[3]  كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار النسخة التي اعتمدناها في هذه المقارنة هي نشرة جاستون فيت  عمل أيمن فؤاد سيد على تحقيق كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار بطلب من مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي لندن 2002 بثلاثة أجزاء وهو عمل قيم ومهم جدا لكنا اعتمدنا على نشرة فيت لأسباب التالية: أولا عند مقارنة كتاب نزهة الأمم مع نشرة قيت وجدنا أن كل المعلومات الموجودة بالنزهة لم تتجاوز المعلومات الموجودة في هذه النسخة ثانيا. عملنا على مقارنة نشرة فيت المكونة من خمسة أجزاء مع الجزء الأول  لنشرة سيد الذي يتضمن نفس المعلومات  فلم نجد أي اختلاف يغيير من النتائج التي توصلنا إليها .
[4] بشار عواد معروف : الذهبي ومنهجه في كتابه  تاريخ الإسلام . مطبعة عيسى الباني الحلبي وشركاه – القاهرة ص 422 
[5]  النزهة : ( ص10)
[6]  النزهة : ( ص10)
[7]  دون المقريزي في الخطط قصيده من تأليفه تتألف من 23 بيت شعر .نسخ ابن اياس 15 بيت شعر من هذه القصيدة  لكن ليس بنفس ترتيب الأبيات عند المقريزي بالإضافة إلى أن ابن اياس ذكر بيتان من الشعر غير موجودين في الخطط مع أن القصيدة للمقريزي نفسه
[8]  لمعرفة المزيد عن كتاب ابن اياس بدائع الزهور في وقائع الدهور الرجوع إلى كتابنا
Ahmad AL AMER : Matériaux, mentalités et usage des sources chez Ibn Iyās. Mise au point du discours historique dans les Badāʼiʽ al-zuhūr fī waqāʼiʽ al-duhūr, préfacé par Jean-Claude Garcin , Éditions Universitaires Européennes, Allemagne, 528 p.
أيضا:
Ahmad AL AMER : L’historiographie à l’époque mamelouke à travers l’exemple de l’ouvrage Badāʼiʽ al-zuhūr d’Ibn Iyās : analyse de la méthode et du contenu », sous la direction du Professeur Michel Tuchscherer (UMR 7310-IREMAM). École Doctorale ED 355 (Espaces, Cultures, Sociétés), Aix-Marseille Université.