جديد المقتطف

Post Top Ad

الثلاثاء، 13 ديسمبر 2016

صناعة الرواية التاريخية في كتاب نزهة الأمم في العجائب والحكم لابن إياس

بقلم: د. أحمد يحيى العامر


يأتي هذا المقال مكملا للمقال الأول (رواية تاريخية مختصرة لكتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار للمقريزي) لكن كما قلنا سابقا التزاماً بقواعد النشر في المجلة واحتراماً للحيز المكاني المسموح به، قررنا تقسيم المقال إلى قسمين. لذلك سنعرض في هذا القسم منهج ابن اياس في صناعة الرواية التاريخية من خلال النقاط التالية:
1- التعامل مع العناوين:
كل العناوين في كتاب نزهة الأمم كانت نفسها في كتاب الخطط عدا ما يلي:
- ذكر أعمال الديار المصرية وكورها، ذكر ما كان يعمل في أراضي مصر من حفر الترع، وعمارة الجسور ونحو ذلك من أجل ضبط ماء النيل وتصريفه في أوقاته[1] (عنوان فقرتان في الخطط)، دمج ابن إياس العنوانين تحت اسم (ذكر أعمال الديار المصرية وكورها[2]).
- ذكر جيوش مصر في الزمن الأول في الإسلام[3] (ابن إياس اخترع عنوان هذه الفقرة[4]، لكنه أخذ معلوماتها منتقاه من فقرة عند المقريزي تحت عنوان: ذكر ديوان العساكر والجيوش[5]، ويضع ابن إياس الأشعار التي ذكرها المقريزي في أخر هذه الفقرة تحت عنوان مستقل[6] (ذكر ما قالته الشعراء في الأهرام من النظم). أيضا أخذ ابن إياس أربعة أبيات شعر للوجيه الذروي وثلاثة أبيات لابن عبد ربه من المقريزي، وضعها تحت عنوان (ما قالته الشعراء في المنار).
- (سجن يوسف) وهو عنوان مستقل عند المقريزي[7]. لكنه فرعي عند ابن إياس.
- (ذكر دبيق - ذكر النحريرية[8]) ابن إياس جعلها عناوين رئيسية بينما هي عناوين فرعية عند المقريزي.
- (ذكر قسطنطين[9]) كعنوان غير ظاهر عند المقريزي. بينما (ذكر قسطنطين[10]) هو عنوان كبير ظاهر عند ابن إياس. 
ويجب الإشارة إلى إضافة ابن إياس في بعض الأحيان كلمة (يسيرة) أو (على سبيل الاختصار) إلى بعض العناوين.
2- طريقة ابن إياس في النقل:
بدء ابن اياس من بداية كتابه بالأخذ من كتاب الخطط متتبعاً الأخير فقرة بفقرة مع اختصارات لنص المقريزي، تزداد هذه الاختصارات من أوائل الكتاب إلى آخره، أي أن الفقرات الأولى من كتاب النزهة أكثر معلومات من الفقرات الأخيرة، ويتناقص حجم هذه المعلومات كلما اتجهنا إلى نهاية الكتاب، حيث أن ابن إياس بدأ صناعته للنص من خلال انتقاء لأسطر من نص المقريزي وحذفه لأسطر ليتطور إلى انتقاء سطور وترك صفحات  لينتهي بانتقاء سطور من فقرات وترك فقرات كاملة دون أي إشارة إليها، وكان منهجه في النسخ في البداية من خلال أخذ بعض السطور من أوائل الفقرات، وبعض السطور من وسطها، وبعض السطور من آخرها، ثم انتقل إلى أسلوب أخذ بعض السطور من أوائل الفقرات وآخرها مع المحافظة التامة على العبارات والجمل والصياغة اللغوية الموجودة عند المقريزي.
3- تعامل ابن اياس مع مصادر المقريزي:
نحن هنا أمام حالتين:
إما ذكر نفس المصادر التي استعملها المقريزي..
مثال: (قال أبو الريحان محمد بن احمد البيروني في كتاب تحديد نهايات الأماكن ذكر بعض أصحاب السير من الفلاسفة[11]). أو ذكرها بطريقة مختصرة في النزهة مثال (قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر الواقدي عن أشياخه قال[12]).
في الخطط (قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر الواقدي أنبأنا يعقوب بن محمد بن أبي صعصعه عن عبد الله بن عبد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعه قال[13])، أيضا في الخطط (عن أبي قبيل قال زعم بعض مشايخ أهل مصر[14]). في النزهة (قال بعض مشايخ أهل مصر[15]).
4- تعامل ابن إياس مع إشارات المقريزي لنفسه:
نحن هنا أمام عدة حالات:
- ذكر ابن إياس لاسم المقريزي:
المثال على ذلك يقول المقريزي: (فلم أصدق ذلك لغرابته وقمت  حتى شاهدت الشجرة[16]).
بينما يقول ابن إياس: (قال الشيخ شهاب الدين المقريزي: فلما سمعت بهذا القول لم أصدقه لغرابته، وسافرت إلى هذا المكان حتى شاهدت هذا الشجر[17]).
-  حذف ابن إياس الإشارات:
من الأمثلة على ذلك (وهي كثيرة) حذف ابن اياس لقول المقريزي (سنقف عليه إن شاء الله...)[18]، أيضا: (البحر الرومي الآتي ذكره إن شاء الله...)[19]، (وهذا الخبر أظنه غير صحيح)[20]، (ولقد بلغني أن أقواما شووها وأكلوا منها فماتوا كلهم في ساعة واحدة[21]).
-  استبدال تلك الإشارات مع عدم الإشارة إلى المقريزي:
ونقدم الأمثلة التالية للتوضيح:
يقول المقريزي في الخطط: (الذي جربته أنا سنين وأخبرني بعض شيوخنا أنه جربه، وأخبره به من جربه فصح أن ينظر أول يوم من مسرى كم مبلغ النيل فزد عليه ثمانية اذرع فما بلغ فهو زيادة النيل في تلك السنة[22]).
أما ابن إياس في النزهة يقول: (الذي جربته الناس وصح أن ينظر أول يوم من مسرى كم مبلغ النيل فزد عليه ثمانية أذرع فما بلغ فهو زيادة النيل في تلك السنة[23]).
في الخطط يقول المقريزي: (وأخبرني بعض مشايخ الكتاب قال كانت الخلفاء تؤخر النوروز عن وقته[24]...)
أما في النزهة يقول ابن إياس: (وقال بعض المؤرخين كانت الخلفاء تؤخر النوروز عن وقته[25]...)
يقول المقريزي: (وشاهدت به عجبا وهو أن...[26])
أما عند ابن اياس: (وبه من العجائب[27])
- نسخ ابن إياس لتلك الإشارات:
في بعض الحالات قام ابن إياس بنسخ تعليقات المقريزي والمثال على ذلك: نسخ ابن إياس لما يلي: (فهذا ما يحضرني مما ذكرت فيه مصر من آيات كتاب الله العزيز[28])، (وأظنه غير صحيح)[29].
5- كيف تعامل ابن إياس مع اشارة المقريزي إلى بعض المواضع من كتابه:
مرة واحدة نسخ ابن إياس اشارة المقريزي إلى كتابه كما في المثال التالي:
في الخطط (وفيما ذكرناه دلالة على أن هؤلاء ليسوا بيهود ولا نصارى... وقد أتينا على ذكرها فيما تقدم من تصنيفنا)، نفس الكلام في النزهة  لكن ابن إياس استبدل (من هذا الكتاب) بدلاً (من تصنيفنا[30]) عند المقريزي.
أما في باقي الحالات قام بحذف هذه الإشارات والأمثلة كثيرة نذكر منها :
- ترك  ابن إياس للجملة: (كما هو مذكور في موضعه من هذا الكتاب عند ذكر الكنائس[31]).
ترك ابن إياس جملة: (كما هو مذكور في خبر الفيوم من هذا الكتاب[32])
نفس المعلومات بالحرف، لكن ترك ابن إياس كلام المقريزي (وسيأتي الكلام عليه مبسطاً عند ذكر ظواهر القاهرة من هذا الكتاب[33]).
6 - كيف تعامل ابن إياس مع زمن المقريزي: 
كثيراً ما كان ابن إياس  يتابع الحديث، وكأنه الكاتب الفعلي للكتاب من خلال نسخ تعليقات المقريزي، ومن ذلك ما يتعلق بالزمن مثال نسخ ابن إياس لبعض عبارات المقريزي مثال:
(أن هذا المنار قائم إلى وقتنا هذا[34]). (وهو هناك إلى وقتنا هذا[35])، على الرغم من أن الوقت الذي عاش به ابن إياس ليس نفس الوقت الذي عاش به المقريزي، هنا نشير إلى شيئين:
أولاً إن عملية نسخ الزمن ليست دائما موجودة عند ابن اياس، وثانياً ربما يكون قول ابن اياس صحيح، أي أن الحدث بقيت أثاره إلى وقت ابن إياس.
7- التغييرات الحاصلة على النص المنسوخ من ابن اياس:
في الحقيقة هي تغييرات قليلة جدا ولا تكاد تذكر ونذكر منها هذه الأمثلة:
- فيما يخص الكلمات:
في الخطط (وعمره مائتين وأربعين سنة[36])، في النزهة (وعاش مائتين وأربعون سنة[37]).
في الخطط (وكان ثم عجوز ساحرة[38])، في النزهة (ثم أن ساحرة[39]).
في الخطط (الغلال)، في النزهة (الغلات[40]).
المقريزي (المشرق[41])، ابن اياس (الشرق[42]).
-  فيما يخص الجمل:
في الخطط: (فهذان في الخير والنفع كالمؤمنين وهذان في قلة الخير والنفع كالكافرين[43]).
في النزهة: (فلما اتصفا هذان بقلة الخير والنفع كانا كالكافرين في العناد وعدم الانقياد تشبيها مجازيا[44]).
- فيما يخص التعليقات (تغيير حذف أو إضافة بعض  تعليقات).
المثال على ذلك:
في الخطط (ولله عاقبة الأمور[45]).
في النزهة (والله اعلم[46]).
في الخطط يقول المقريزي: (فأفضل المياه مياه العيون ولا كل العيون[47] والقائل هو أبو علي ابن سينا).
في النزهة يقول ابن اياس: (أفضل المياه مياه العيون ولا كل العيون[48]).
لم نجد أي اختلاف في معظم الفقرات سوى إضافة ابن اياس (في حالة نادرة) لجملة مثال: (هذا ما ذكروا والله اعلم[49]).
8 - الإضافات الموجودة في نص ابن اياس:
الإضافات على شكلين الأول أشعار، وبلغ عددها واحد وسبعون ومئتان بيت من الشعر، والثاني بعض المعلومات لا تتجاوز إحدى وثلاثين سطراً في كل الكتاب.
فيما يخص إضافة الشعر فكانت عن طريق:
- تخصيص فقرة خاصة للشعر تحت عنوان عريض مثل:
- ذكر ما قيل في يوم وفاء النيل بمصر[50] (56 بيت من الشعر).
- ما قيل في إفراط زيادة النيل[51] (36 بيت من الشعر).
وفيما قيل في تعكير النيل عند الزيادة[52] (7 أبيات من الشعر).
- إضافة أبيات جديدة إلى أبيات موجودة عند المقريزي[53] .
- إضافة بعض أبيات من الشعر في نهاية إحدى الفقرات[54] .
أما فيما يخص المعلومات التي قلنا أنها موجودة عند ابن اياس، وغير موجودة عند المقريزي، وجدناها في الكتاب عدة مرات، فهي تتراوح بين سطر ونصف إلى ستة عشر سطر، والمثال على هذه الإضافات قول ابن اياس: (أما ديوان الإنشاء والكتابة فإن كل ملك أو سلطان أو أمير لا بدّ له من كاتب الإنشاء الذي يرسم الكتب والمراسيم والآن كاتب الإنشاء يسمى كاتم السر[55]).
أيضاً في الخطط يقول المقريزي: (وولدت امرأة (.........)[56] لها رأس مدور، ولها يدان ورجلان وذنب[57]).
لكن المعلومات الموجودة في النزهة عن هذه الحادثة هي: (وولدت امرأة جارية بنت براسين أحداهما بوجه أبيض متروك، والآخر بوجه أسمر فيه سهولة، وكل وجه منهما كامل الخلقة مركب على عنق واحد في جسد واحد بيدين ورجلين وفرج ودبر، فكانوا يرضعون كل وجه منهما على وحده، فحملت إلى المعز حتى رآها، ووهب لامها شيء من المال وعادت إلى تنيس وماتت بعد شهور في سنة ثلاث وسبعون وخمسمائة [58]).

الهوامش:

[1]  الخطط: (247 / 313)
[2]  النزهة : ( ص127)
[3]  النزهة : ( ص133)
[4]  نرى كثرة وجود مثل هذه الفقرات عند ابن اياس غير ذات أهمية كبيرة ومختزلة بشكل كبير وأتوقع انه قسمها إلى عناوين من اجل إخفاء نسخه الحرفي من المقريزي ولتبدوا أنها جديدة
[5]  الخطط: (247 / 34)
[6] الخطط: (247 / 154)
 [7] الخطط: (247 / 7)
 [8] الخطط: (247 / 174) ، النزهة : ( ص217)
 [9] الخطط: (247 / 235)
[10]  النزهة : ( ص239)
[11]  الخطط: (247 / 66)
[12]  النزهة : ( ص32)
[13]  الخطط: (247 / 127)
[14]  الخطط: (247 / 313)
[15]  النزهة : ( ص128)
[16] الخطط: (247 / 266)
[17]  النزهة : ( ص224)
[18] الخطط: (247 / 59) ،النزهة : ( ص14)
[19] الخطط: (247 / 59) ،النزهة : ( ص15)
[20]  الخطط: (247 / 64) ،النزهة : ( ص17)
[21]  الخطط: (247 / 280) ،النزهة : ( ص108)
[22]  الخطط: (247 / 290)
[23]  النزهة : ( ص112)
[24]  الخطط: (247 / 269)
[25]  النزهة : ( ص252)
[26] الخطط: (247 / 82)
[27]  النزهة : ( ص216)
[28]  الخطط: (247 / 96) النزهة : ( ص24)
[29]  الخطط: (247 / 111) ،النزهة : ( ص28)
[30]  الخطط: (247 / 180) ،النزهة : ( ص63)
[31]  الخطط: (247 / 296) ،النزهة : ( ص115)
[32]  الخطط: (247 / 302) ،النزهة : ( ص118)
[33] الخطط: (247 / 303)
[34]  الخطط: (247 / 141) ،النزهة : ( ص47)
[35]  الخطط: (247 / 142) ،النزهة : ( ص47)
[36]  الخطط: (247 / 155)
[37]  النزهة : ( ص54)
[38]  الخطط: (247 / 60)
[39]  النزهة : ( ص57)
[40]  الخطط: (247 / 263) ،النزهة : ( ص90)
[41]  الخطط: (247 / 160)
[42]  النزهة : ( ص158)
[43]  الخطط: (247 / 218)
[44]  النزهة : ( ص67)
[45]  الخطط: (247 / 157)
[46]  النزهة : ( ص158)
[47]  الخطط: (247 / 265)
[48]  النزهة : ( ص101)
[49]  ص 163 – ( ص 6 ) المقريزي
[50]  النزهة : ( ص92)
[51] النزهة : ( ص97)
[52]  النزهة : ( ص104)
[53]  النزهة : ( ص201)
 [54] النزهة : ( ص201)
 [55] النزهة : ( ص136)
[56]  (هذا الفراغ خاص بكلمات غير واضحة في النسخ موجود في الخطط لكن بعد الرجوع إلى  نسخة التحقيق التي قام بها أيمن فؤاد سيد لكتاب الخطط وجدناه قد رجع إلى كتاب البدائع لابن اياس لملا هذا الفراغ فكانت المعلومات نفسها التي دونها ابن اياس بالنزهة )
 [57] الخطط: (247 / 208)
 [58] النزهة : ( ص184)