بقلم: نسمة سيف الإسلام سعد.
باحثة دكتوراه- كلية الآداب- جامعة القاهرة.
السيدة منيرة ثابت
يجمع المؤرخون بصفة عامة على أهمية الصحافة كمصدر
لدراسة التاريخ الاجتماعي، فعلى الرغم أن البعض يعتبرها مصدر متحيز لوجهة نظر
الحزب، أو الجماعة التي تمثلها الصحيفة، إلا إنها تعتبر مرآة للعصر الذي تصدر فيه،
حيث أن الهدف من دراسة التاريخ والصحافة واحد، هو دراسة الإنسان وظروف حياته، ولكن مع اختلاف السياق
الزمني الذي يتحرك في إطاره كلاً منهما، فالصحافة مصدر أولي لدراسة التاريخ الوطني
والاجتماعي والثقافي والسياسي للمجتمع، فإطار العمل الصحفي لا يقتصر علي عرض
الأحداث البارزة في المجتمع فحسب، ولكن عرض صورة كاملة للفترة التي تنتمي إليها، وتاريخ
الصحافة في نهاية الأمر هو تاريخ النشاط الاجتماعي الذي أوجبت الصحف علي نفسها
القيام بتسجيله، كما أوجبت علي نفسها أن تكون عاملاً من عوامل ازدهاره.
وسوف تتناول هذه الدراسة الدور الذي لعبته الصحف
النسائية في طرح قضايا المرأة باعتبارها انعكاساً لقضايا المجتمع المصري، بالإضافة
إلي كيفية مناقشة هذه الصحف إلي مختلف المشاكل الاجتماعية خلال فترة الدراسة.
وتعد صحافة المرأة في مصر مرآة عاكسة للحركة الثقافية
المصرية و نشاط و تنوع الصحافة بصفة خاصة فنجد أن ظهور أن ظهور مجلة
"الفتاة" عام 1892 جاء ضمن نشاط حركة الصحافة بصفة عامة في تلك الفترة، والجدير
بالذكر أنه كان للمرأة المصرية نشاط أدبي
عامة وفي الصحافة قبل صدور كتاب تحرير المرأة لقاسم أمين عام 1899؛ ففي عام 1892
صدر كتاب "مرآة التأمل في الأمور" لعائشة تيمور وفي عام 1892 أيضًا صدرت
مجلة الفتاة لهند نوفل، بالإضافة إلي الصالونات الفكرية التي كانت تشرف عليها
السيدات وعلي رأسها صالون الأميرة نازلي في القاهرة الذي كان من أهم رواده الشيخ
محمد عبده وسعد زغلول وصالون الكسندره افرينو في الإسكندرية، وكانت مريم نمر- اخت
فارس نمر باشا وزوجة شاهين ماكريوس وهما أصحاب صحيفة المقطم- تقيم في بيتها ندوة
يحضرها أصدقاء زوجها من الأدباء، وكانت لها أبحاث تنشرها في المقتطف واللطائف ومنها
بحث عن الخنساء وبحث عن زنوبيا.
وقد شهدت الفترة من عام 1892 حتى عام 1919 صدور العديد
من المجلات النسائية التي اختلفت توجهاتها، ومن هذه المجلات "الفردوس" و"أنيس
الجليس" عام 1898، و"العائلة" عام 1899، و"السعادة " عام
1902، "فتاة الشرق" لصاحبتها لبيبة هاشم عام1906، "ترقية الفتاة"
لفاطمة نعمت راشد عام 1908، وفي ذات العام صدرت "الريحانة" لجميلة
حافظ كأول مجلة مصرية أصدرتها سيدة مصرية،
وكذلك "فتاة النيل" عام 1912، ويلاحظ أن أغلب هذه المجلات شهرية، وإن
بعضها صدر من خارج القاهرة، بل أن أول مجلة وهي "الفتاة" صدرت من
الإسكندرية، وكذلك "الريحانة" صدرت من إحدى ضواحي القاهرة، وهي حلوان ومعظم
هذه المجلات لم تستمر طويلاً في الصدور، وذلك لقلة عدد قرائها وقارئاتها لانتشار
الأمية بين المصريات، وأيضًا لصعوبة الاستمرار في إيجاد مصدر لتمويل عملية إصدارها.
وأما فيما يتعلق بالمحتوي فنجد أن المجلات كانت تُعد
تعبيرًا عن رأي المرأة في وقت لم يكن متاحا للمرأة أن تعبر عن رأيها، ومعظم هذه
المجلات ركزت علي الدعوة إلي ضرورة تعليم المرأة، واهتمت المجلات بنشر الروايات والقصص
المترجمة عن الأدب العالمي، ومن ذلك مجلة "السيدات والبنات" التي كانت
تهتم بتقديم ترجمات لحياة شهيرات النساء، ومجلة "فتاة الشرق" التي كانت
أغلب موضوعاتها مترجمة من الأدب الفرنسي، وكان علي رأس أعلام الصحافة النسائية في
تلك الفترة السيدة هند نوفل والسيدة الكسندره افرينوه.
وتعتبر السيدة هند نوفل رائدة الصحافة النسائية في مصر،
والسيدة هند نوفل ولدت في بيروت، وهاجرت مع أسرتها إلي الإسكندرية مع أسر لبنانية
كثيرة، وكانت من بيت علم وثقافة، فقد كان والدها مدير تحرير مجلة الفتاة ووالدتها
السيدة مريم جبرائيل النحاس كاتبة ولها كتاب "معرض الحسناء في تراجم مشاهير
النساء" الذي صدر عام 1879 بأمر الأميرة جشم أفت احدي زوجات الخديوي إسماعيل.
وترجع أهمية هند نوفل ومجلتها "الفتاة" إلي
عدة أمور منها إنها تُعد أول سيدة عربية تقوم بإصدار مجلة بعد أن كان هذا المجال
مقصورًا علي الرجال، وإنها كذلك المجلة الأولي التي حملت اسم سيدة، وطالبت بحقوق
المرأة فمن خلال المجلة بدأت تدافع عن قضية المرأة وتطالب بحقوقها بعد أن كان
الرجال هم الذين يطالبون للمرأة بالتحرر، والتعليم علي نحو ما نقرأ ف مجلة الراوي
لخليل زينيه، وألقت مجلة "الفتاة" الضوء علي أهمية تعليم المرأة هو
الوسيلة إلي نيل كافة حقوقها السياسية وغير السياسية.
وكان من أهم رائدات الصحافة النسائية في تلك الفترة
السيدة الكسندره افرينوه اللبنانية الأصل، وأصدرت مجلة "أنيس الجليس" في
الإسكندرية، وصدر العدد الأول منها في 31 يناير سنة 1898، و بالإضافة إلي المجلة
كان للسيدة الكسندره صالون أدبي في الإسكندرية يضم نخبة كبيرة من المفكرين، وكان
منهم محافظ الإسكندرية إسماعيل صبري باشا، وفي عام 1900 أصدرت مجلة باللغة
الفرنسية أطلقت عليها اسم (لوتس)، وكانت ترمز بهذا الاسم إلي مصر، ونشرت بالمجلة
مقالات عن أحوال المرأة في الشرق، واشترك في تحريرها عدد من الأدباء الذين كانوا
يكتبون باللغة الفرنسية، وقد اشتهرت مجلة "لوتس" في باريس حتى أن حكومة
فرنسا رأت فيها وسيلة من وسائل نشر الثقافة الفرنسية في مصر، فكافأت الكسندره
بوسام (اوفيسيه دا كاديمي)، وفي عام 1912 أصدرت جريدة "الإقدام"، وكانت
جريدة سياسية يومية.
وقد وصل عدد المجلات النسائية المنشورة في مصر إلي أكثر
من ثلاثين مجلة في بدايات القرن العشرين، وإلي جانب انتشار المجلات النسائية، ساهمت النساء في كتابة مقالات في
الصحف الرئيسية، فكتبت ملك حفني ناصف - باحثة البادية – بانتظام في مجلة الجريدة
لصاحبها أحمد لطفي السيد ثم جمعت مقالاتها، وبعض أعمالها الأخرى في كتاب النسائيات
الذي صدر عام 1910، وأيضًا المؤلفات التركية والفرنسية للأميرة قدرية حسين عن
المرأة الشرقية، فضلاً عن أنشطة جمعية الرقي الأدبي للسيدات.
وتأتي المرحلة الثانية في تطور الصحافة النسائية في
أعقاب ثورة 1919، وصدور دستور 1923، وبداية انتشار تعليم المرأة، وخروج المرأة إلي
الحياة العامة، واشتراكها في ثورة 1919 وكفاحها من أجل استقلال الوطن وسقوط أول
شهيدة من النساء، وهي السيدة "شفيقة محمد"، وتطورت الحركة النسائية
فسافرت وفود نسائية مصرية لحضور مؤتمرات في الخارج مثل مؤتمر روما النسائي عام
1923، فجاء بالتالي تطور الصحافة النسائية.
وكان من أهم ملامح تلك المرحلة.
- زيادة عدد المجلات النسائية، فبجانب المجلات التي كانت
تصدر قبل عام 1919 مثل مجلة فتاة الشرق ومجلة الجنس اللطيف، ظهرت مجلات جديدة مثل
"المرأة المصرية" لصاحبتها بلسم عبد الملك عام1919، ومجلة
"الأمل" لمنيرة ثابت عام1925، ومجلة "المصرية" لهدي شعراوي، والنهضة
النسائية لصاحبتها نبوية موسي.
- التنوع الكبير في مضمون هذه المجلات وتناولها موضوعات
تخص مشاركة المرأة في الحياة العامة والسياسية، وما ترتب علي ذلك من انعكاسات علي
حياة المرأة ثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، والاهتمام بالقضايا العامة في مصر والوطن
العربي. وكان من أهم نماذج المجلات النسائية في تلك الفترة مجلة "المصرية"
لصاحبتها السيدة هدي شعراوي ومجلة "الأمل" للسيدة منيرة ثابت.
مجلة المصرية:
قامت السيدة هدي شعراوي بتأسيس الاتحاد النسائي المصري
عام 1923، وكان من الضروري أن يتم إصدار مجلة أو صحيفة تعبر عن أفكاره، وبالفعل في
عام 1925 تم إصدار مجلة "المصرية" عام 1925 باللغة الفرنسية، ثم دعمتها
في عام 1937 بمجلة "المصرية" باللغة العربية، وانطلقت من خلالها لتناقش مشاكل المجتمع المصري في تلك الفترة
بداية من الدعوة لوحدة شطري وادي النيل، ورفض سياسة الاحتلال البريطاني.
وفي مجال تعليم المرأة طالبت بزيادة أعداد المدارس لاستيعاب
الفتيات في جميع المراحل، وفي مجال عمل المرأة طالبت بوضع تشريعات لحماية حقوق
العاملات من النساء، وكانت السيدة هدي شعراوي من أكثر السيدات في مصر والعالم
العربي اهتمامًا بالقضية الفلسطينية، فقد نشرت موضوعات تعالج الموضوع من زوايا
متعددة مثل المؤتمر الذي عقدته عصبة الأمم لمناقشة مشروع تقسيم فلسطين عام 1937، ونشرت
في عددها الصادر في أول أكتوبر عام 1937 موضوعًا تحت عنوان "فلسطين في مفترق
الطرق".
مجلة الأمل:
وبعد استقالة السيدة هدي شعراوي من رئاسة لجنة الوفد
المركزية للسيدات، وتولي رئاستها السيدة شريفة رياض سكرتيرة اللجنة، ثم جاءت مرحلة
جديدة مع اختيار السيدة منيرة ثابت لتؤلف جمعية ومجلة "الأمل"، والسيدة
منيرة ثابت التي تعد أول محامية تخرجت في مدرسة الحقوق الفرنسية العليا في مصر، وتعد
كذلك أول سيدة جامعية تعمل في مجال الصحافة، وكانت مجلة الأمل أسبوعية سياسية
أدبية اجتماعية من أجل الدفاع عن حقوق المرأة، ففي مجال التعليم نادت بالسعي لترقية التعليم الابتدائي للبنات، وتوسيع
نطاق تعليمهن الثانوي، لكي تستطيع اكتساب عيشها بنفسها إذا لم تجد من يعولها، وتكون
بذلك قد ساهمت في تخفيف العبئ الاقتصادي عن أسرتها أو تشارك بعلمها في فهم عمل
زوجها، وحسن تربية أطفالها.
وفي المجال السياسي نادت بالاستقلال التام لوادي النيل
بأكمله طبقا لبرنامج الوفد المصري، وسعت في المجال الاجتماعي لنشر الفضيلة ومحاربة
الفساد، وكذلك نادت بالتواصل بين الجمعيات النسائية في الشرق للدفاع عن حقوق
المرأة.
وبالإضافة إلي ذلك صدرت كتب لسيدات للدفاع عن حقوق
المرأة مثل كتاب "قضية المرأة" للسيدة سعاد الرملي سنة 1945، وكتاب
"نحن النساء المصريات " للسيدة انجي أفلاطون سنة 1949.
ومما سبق يتضح مدي أهمية دور الصحافة النسائية باعتبارها
محاولة للتعبير عن أراء المرأة من زاوية، ومن زاوية أخري كانت تعتبر إحدى مظاهر
تطور الصحافة المصرية في النصف الأول من القرن العشرين، بالإضافة إلي مناقشتها
كافة قضايا المجتمع المصري، ومن ضمنها قضايا ومشكلات المرأة في تلك الحقبة.