جديد المقتطف

Post Top Ad

الأربعاء، 5 يوليو 2017

التاريخ السياسي والحضاري لمدينة دانية الأندلسية

عرض ودراسة/ أبوالحسن الجمال
اتجهت الأبحاث الحديثة التي تناولت تاريخ الأندلس إلى إفراد المدن الهامة بالدراسة وإلقاء الضوء على جوانبها السياسية والحضارية، وقد ركزت أغلب هذه الدراسات على المدن الكبرى في الأندلس، وإن كان هناك بعض الغموض الذي ظل يكتنف بعض المدن الهامة التي لم تحظ باهتمام الباحثين حتى الآن.
وسوف نستعرض في السطور التالية رسالة الدكتوراه "التاريخ السياسي والحضارة لمدينة دانية الأندلسية منذ سقوط الخلافة العامرية حتى استيلاء الأرغونيين عليها سنة 641هـ - 1244م" التي أعدتها د. عبير زكريا سليمان بيومي، أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ورئيس قسم التاريخ في كلية الآداب جامعة بورسعيد، وذلك سنة 2000، من كلية الآداب جامعة طنطا، بإشراف الأستاذ الدكتور محمد أحمد أبوالفضل والأستاذ الدكتور السيد أبوالعزم داوود.
والدكتورة عبير زكريا سليمان من مواليد القاهرة، حصلت على ليسانس آداب جامعة عين شمس قسم التاريخ بتقدير جيد سنة 1991م، ثم أكملت دراساتها العليا وحصلت على درجة الماجستير في التاريخ الإسلامي والحضارة بتقدير ممتاز مع التوصية بالطبع على نفقة الجامعة سنة 1996م من كلية الآداب – جامعة طنطا، بإشراف الدكتور محمد أحمد أبوالفضل. في رسالة بعنوان "دور الفقهاء السياسي والحضاري في الأندلس في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي"، ثم على درجة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي والحضارة بمرتبة الشرف الأولى مع التوصية بالطبع على نفقة الجامعة 2000م كلية الآداب – جامعة طنطا. في رسالة بعنون "التاريخ السياسي والحضاري لمدينة دانية الأندلسية من سقوط الدولة العامرية حتى استيلاء الأرغونيين عليها 641هـ / 1244م" بإشراف الدكتور محمد أحمد أبوالفضل أيضاً. 
وللدكتورة عبير العديد من الأبحاث المنشورة في الدوريات والمجلات المتخصصة، منها:
"-أضواء تاريخية حول مدينة قلعة رباح الحصن الأمامي للأندلس" مركز الخدمة للاستشارات البحثية – كلية الآداب – جامعة المنوفية – يناير, سنة 2007م.
-"اليهود في الأندلس في عصر المرابطين والموحدين" مشاركة في المؤتمر السنوي للجمعية المصرية للدراسات التاريخية, اليهود في الوطن العربي, سنة 2008.
 -"أضواء جديدة حول بواكير البناء السياسي لدولة الإسلام في المدينة", نشر في عدد 46 الجمعية المصرية للدراسات التاريخية سنة 2008/2009م.
 -"تاريخ الطب في الأندلس من سقوط طليطلة حتى سقوط دولة الموحدين"  كلية  الآداب – جامعة المنصورة عدد 47 – المجلد الثاني – أغسطس سنة 2010م.
 -"الإسلام وتنوع الهوية دراسة في الأبعاد السياسية والاجتماعية والثقافية ، الأندلس نموذجاً", مجلة المؤرخ العربي, عدد 19 أكتوبر سنة 2011م.
" -الحرفيون والسلطة في الأندلس من منتصف القرن الثاني حتى أواخر القرن الخامس الهجري" مشاركة في المؤتمر السنوي للجمعية المصرية للدراسات التاريخية السلطة عبر العصور سنة 2011م.

وقد اختارت المؤلفة مدينة دانية وهي إحدى هذه المدن التي تستحق أن تفرد بالدراسة نظراً لموقعها المتميز كمدينة ساحلية من أهم مدن شرق الأندلس، ولتاريخها السياسي والحضاري العريض، لشهرتها كمدرسة لعلم القراءات في الأندلس بأسره بل العالم الإسلامي كله، ولذا فهي جديرة بالدراسة كنظيراتها من مدن الأندلس التي لاقت عناية المؤرخين.
وقد ركزت الدكتورة عبير جهدها (وفق ما أتاحته المصادر) حول كشف النقاب عن بعض الغموض عن تاريخ المدينة في محاولة لإكمال الصورة حول حضارة المسلمين في الأندلس، خاصة وقد قامت العديد من الدراسات عن معظم مدن شرق الأندلس المحيطة بها مثل: "بلنسية"، و"مرسية"، و"شاطبة"، وكذلك عن "جزر البليار" القريبة منها والتي تبعتها في بعض فتراتها السياسية.
واستعرضت الباحثة الجهود التي سبقتها في الدراسات التي نالت مدينة دانية مثل: كتاب المؤرخ الأسباني "شاباس" عن تاريخ المدينة منذ قيامها وحتى سقوطها، وكتاب "ماريا خيسيوس بيجيرا" الذي تناول تاريخ هذه المدينة في عصر الطوائف، وكذلك كتاب "كيلليا سارنللي" التي تحدثت عن مدينة "دانية" من خلال تناولها لمجاهد العامري حاكم دانية وانجازاته السياسية والحضارية بها، إضافة إلى بعض الأبحاث التي تناولت دانية من جوانب عدة. وعن الدافع التي جعلها تختار هذه المدينة بحثاً للدكتوراه، تقول: "وفي اعتقادي أن دانية لم تنل عناية الباحثين من مؤرخين عرب أو مسلمين، لذا فقد آثرتها بالدراسة".
قسمت الدكتورة عبير بحثها إلى بابين رئيسيين، الباب الأول يتعلق بدراسة التاريخ السياسي لهذه المدينة، أما الباب الثاني فيتعلق بدراسة التاريخ الحضاري لها، وقد سبق ذلك مقدمة جغرافية عن موقع المدينة وحدودها ومناحها وغير ذلك، ودراسة تمهيدية عن الأوضاع السياسية لهذه المدينة منذ الفتح الإسلامي وحتى سقوط الدولة العامرية .
اشتمل الباب الأول المختص بالتاريخ السياسي على ثلاثة فصول، كما أن الباب الثاني المختص بدراسة التاريخ الحضاري احتوى على ثلاثة فصول أخرى، ثم تبع ذلك خاتمة احتوت على أهم نتائج البحث، وثبت بالمصادر والمراجع التي أفادت البحث.
فالباب الأول المختص بالتاريخ السياسي لدانيه وعنوانه (التاريخ السياسي لمدينة دانيه منذ سقوط الدولة العامرية وحتى سقوطها على أيدي الأرغونيين)، فقد قسمت الباحثة هذا الباب إلى ثلاثة فصول رئيسية، هي: الفصل الأول ويختص بدراسة تاريخ دانيه في عصر دويلات الطوائف والذي يعد من أهم فصول الدراسة نظراً لسطوع نجم "دانيه" في هذه الفترة على يدي حاكمها "مجاهد العامري" الذي جعلها نواة دولته وطور دار صناعة إنشاء السفن بها وأقام فيها أول أسطول بحري أندلسي غزا الشمال الأسباني وأوربا، كما أنه جعل "دانيه" موطناً لجذب العلماء حيث احتفى بهم وشجعهم، فوفد إليها في عصره جلة علماء الأندلس، وتبعه ابنه عليّ في هذه السياسة، إضافة إلى اهتمامه بالتجارة، فازدهر اقتصاد "دانيه" في عصره، ونعمت باقتصاد سياسي وحضاري، كما ضم هذا الفصل أوضاع "دانيه" في عصر "بني هود"، حيث استولى عليها "المقتدر بالله بن هود" وضمها إلى مملكة "سرقسطه" فتدهورت أوضاعها في عصر ابنه "المنذر" الذي كان دائم الخلاف مع أخيه "المستعين" فانشغل في هذه الخلافات عن الاهتمام بالمدينة.
أما الفصل الثاني وعنوانه (تاريخ دانية في عصر المرابطين)، ويتناول فترة الاضطرابات السياسية التي عانت منها شرق الأندلس بسبب تهديد "السيد القمبيطور" لها واستيلائه على "بلنسية"، والأوضاع المتردية التي عانت منها وحتى استيلاء المرابطين عليها وتأثير ذلك على دانيه، ثم ألقت المؤلفة في هذا الفصل الضوء على أسطول "دانية" في ضم "الجزائر الشرقية" إلى حكم المرابطين، وانتهى بتناول أوضاع "دانية" في أخريات عصر المرابطين ووقوعها تحت حكم "محمد بن سعد بن مردنيش".
أما الفصل الثالث وعنوانه (تاريخ دانية في عصر الموحودين وحتى استيلاء الأرغونيين عليها)، وقد تناول الفترة من 567هـ وحتى سنة 625هـ وهي الفترة من انتهاء حكم "محمد بن سعد بن مردنيش" لشرق الأندلس ودخول دانية تحت حكم الموحدين في عصر الخليفة يوسف بن عبدالمؤمن، ثم برزو دانية في عصر الناصر الموحدي في ضم الجزائر الشرقية، وبعد وفاته دخلت دولة الموحدين في دور الضعف وظهور أكثر من خليفة للأندلس في آن واحد واستبداد "السيد أبو زيد" والي بلنسية ودانية، ثم ظهرت حركة محمد بن يوسف بن هود في سنة 625هـ /1228م، وانضمت إليه دانية في سنة 626هـ / 1229م، وظلت تحت حكم ابنه الواثق بالله المعتصم به بعد وفاته، ووقعت دانية تحت حكم زيان بن مردنيش وكانت تحت حكم يحيي بن أحمد الخزرجي التابع لمحمد بن يوسف بن هود، ثم استولى عليها زيان ولكنها لم تدم في يديه كثيراً حيث استردها السابق سنة 634هـ /1237م وحكمها بشكل مستقل وابنه من بعده وكان آخر من حكم دانية، وقد كان لسقوط بلنسية تحت أيدي الأرغونيين في سنة 634هـ /1237م نذيراً بسقوط دانية وحدوث انقسامات سياسية وتعدد الحكام في منطقة شرق الأندلس، وفي خضم هذه الاضطرابات انتهى الأمر باقتطاع مدن شرق الأن الأندلس الواحدة تلو الأخرى حيث استولى الأرغوانيين على شاطبة ثم ما لبثوا أن استولوا على دانية سنة 641هـ /1244م، وبذلك انتهى التاريخ الإسلامي لمدينة دانية الأندلسية.
أما بالنسبة للباب الثاني وهو المختص بدراسة الجانب الحضاري لمدينة دانية فقد احتوى على ثلاثة فصول، تناول الفصل الأول منها دراسة "الحياة الاجتماعية في دانية" من حيث عناصر سكانها وطبقاتهم وعاداتهم وأعيادهم ووسائل تسليتهم وزيهم ومأكلهم ومشربهم وغير ذلك، كما تناول هذا الفصل دراسة القضاء في دانية وسبب العزوف عن تولي هذه الوظائف واشهر قضاة دانية، كما اشتمل على الخطط المتعلقة بالقضاء كالشورى والصلاة والأحكام والحسبة وأهم من تولى هذه الوظائف بها.
أما الفصل الثاني وعنوانه (الحياة الاقتصادية في دانية)، ويشير إلى أهم موارد الحياة الاقتصادية بها، وإلى اعتمادها في المقام الأول على الزراعة ثم الصناعة والتجارة، كما اشتمل هذا الفصل على دراسة العملات النقدية بمدينة دانية والتغيرات الطارئة عليها على مر العصور، وقد أشار هذا الفصل إلى مدى الارتباط بين الحياة الاقتصادية والسياسية بها.
وأخيراً الفصل الثالث والذي يعد من أهم فصول هذه الدراسة، حيث عرضت الباحثة الثراء العلمي والحضارة لمدينة دانية من خلال دراسة أهم العلماء البارزين فيها في شتى المجالات سواءًا في العلوم الدينية أو الدراسات الأدبية واللغوية أو في العلوم العملية، كما ألقى هذا الفصل الضوء على الحياة التعليمية لهذه المدينة، واشار إلى منهج التعليم ومراحله فى الأندلس ككل وفي دانية كجزء منه، وأشار الفصل إلى الصلات العلمية بين دانية وبلنسية والمؤسسات التعليمية فيها، واشتمل أيضاً على دراسة الحياة الفكرية لهذه المدينة وأهم الأسرات العلمية الموجودة بها ومدى التأثير والتأثر بنظيراتها في المجتمع الأندلسي والمشرق الإسلامي.

أما الخاتمة فقد اشتملت على أهم نتائج البحث، ومدى أهمية مدينة دانية على الصعيدين السياسي والحضاري.